محمد السنان
تعودنا في كتابة المقالات أن نبحث عن المعلومة من مصادر عدة، نقوم بالتحليل و الاستنتاج واقتراح الحلول، لكن هذه المرة أشارككم تجربتي كمراجع لأحد أقسام الطوارئ بمستشفياتنا بمدينة جدة الجميلة، تجربة تحمل ايجابيات وسلبيات من باب الإنصاف، وقد أحببت نشرها لمساعدة بقية المستشفيات في الالتفات للنقاط الايجابية والتعلم منها، والحذر من النقاط السلبية وتجنبها و تصحيحها لديهم، وإن اعتبره البعض نشر غسيل للمستشفى فنعم هو كذلك لأجل المرضى، فالغسيل عندما لا ينشر يصبح بحاجة للغسل مرة أخرى، فمن كان غسيله نظيفاً فلا يضيره نشره أبدا!!
أيقظتني زوجتي صباح الجمعة لضيق تنفس ابني ذو التسعة أشهر، مع كحة متواصلة وحرارة في جسده، توجهت إلى طوارئ مستشفى الملك عبدالعزيز بجدة، كانت المواقف متوفرة بسهولة، دخلت إلى غرفة الفرز التي كانت خالية من الازدحام وبها ممرضة تجلس على مكتبها وهذا الوضع الطبيعي، فعندما وصلنا إليها بادرتنا بلغة صلبة ( اطلع جيب ورقة من برا ) تعني نموذج الفرز المرمي في الخارج على طاولة دون أن يكون هناك من يوزعه !! ذات الورقة التي عندما عدت رأيت مجموعة كبيرة منها غير مستخدمة على مكتبها !! وتكرر الموقف مع رجل كبير في السن يمشي بصعوبة عندما وصل إليها قالت له ( اطلع جيب ورقة )، لم تتحرك انسانيتها لتقطع له ورقه من طرف مكتبها!! لم تقل له استرح يا عم سأحضر الورقة عنك !! توجهت بعد ذلك إلى الاستقبال لتسجيل ابني ولم يكن هناك ازدحام، كان تجاوب موظف الاستقبال سريعاً، لم يفتقد سوا بعض أساسيات اللباقة بأن يوقف القهقهة مع صديقه ويلتفت لوجه المراجع، لم يكلف نفسه أن يوجهني بعد أن أعطاني الورقة، هو موظف جيد في عمله، لو تم تدريبه على مقابلة الجمهور لكان أدائه أفضل، توجهت إلى غرفة فحص الأطفال مع طفلي، و دخلنا للطبيبة التي كانت متواجدة و متعاونة جدا، قامت بالفحص اللازم و كتابة الدواء و توجيه التعليمات لنا بشكل واضح ولبق، أعطتنا ورقة للذهاب لغرفة علاج الأطفال لعمل جلسة بخار تريح صدر ابني المتألم، ذهبت فلا أحد في الغرفة !! قلت في نفسي لعل الممرضة ذهبت لقضاء أمر هام !! توجهت إلى الطبيبة أسألها فقالت لي لا اعلم ابحث عنها في الغرف المجاورة !! ذهبت إلى المدير المناوب بجانب الإستقبال، ألقيت التحية ورد باحترام،بادرته بسؤالي ( أنا مع ابني هنا لتلقي العلاج و لا يوجد ممرضة هناك ؟!! ) فكان الجواب الجميل من المسؤول عن الطوارئ وقتها ( اسأل الطبيبة هي أدرى عنها ) ، ارتسم على وجهي التعجب أن اضطر كمراجع أن ابحث عن الممرضة في أنحاء الطوارئ!! كيف لا يتعرض غيري لنفس الإهمال من تغيب الممرضة، إذا لم يقم المسؤول عن الطوارئ بالاهتمام بالموضوع، ولا حتى محاولة الاستفسار عن سبب عدم تواجدها!! ذهبت لغرفة علاج الكبار وسألت ممرضة ( أجنبية ) فقالت لا أعلم عنها ولكني سأتي لمساعدتك، قدمت بكل لطف و أعطت لابني جلسة البخار، سألتها أين الممرضة المسؤولة عن الأطفال ؟! ارتسم الخوف على وجهها مع علامة ابتئاس، مبينة أنها ليست المرة الأولى التي تغطي المكان عنها !!*
انتهت الجلسة ومضيت إلى الصيدلية استلمت الأدوية بسرعة جيدة، وأنا متوجه لسيارتي قلت لزوجتي أن تنتظرني لأتأكد من أمر ما، كي لا اظلم أحداً في حكمي، و مررت على غرفة الفرز وكانت بها ممرضة أخرى فسألتها ( هل الورق على طرف طاولتك للفرز هو ذاته بالخارج ؟!! ) فأجابتني نعم هو ذاته !!*
لم تستغرق زيارتي نصف ساعة، وهذا وقت قياسي وممتاز للخدمة في أي طوارئ، وهذه نقطة ايجابية تخفف من وطأ المرض على المراجع، ولكن افتقاد الممرضة في غرفة الفرز وموظف الاستقبال إلى اللباقة في التعامل تفسد سرعة الأداء التي كانت موجودة، ولكن ما افقد هذه الزيارة أن تكون مثالية هو تسيب وغياب ممرضة قسم الأطفال عن مكانها، التي لم تكن مع الطبيبة في غرفة الفحص و لا غرفة العلاج، تسيب شخص واحد فقط في منظومة الطوارئ يفسدها ويشوه نجاح الآخرين، نعم ما رأيته في زيارتي يستحق الاعتماد من لجان الجودة التي يهمها الأوراق وسرعة الأداء، لكنه لا يستحق أن يوصف بالإنسانية أبداً، فالتعامل مع الإنسان مختلف عن التعامل مع الأوراق والأجهزة، و لا يخفى على أحد أن ما يحدث لدى الموظفين في أي مكان، ما هو إلا انعكاس للإدارة و ما تغرسه من مبادئ واهتمام، فإن هي غرست فيهم الاهتمام بالأوراق والاعتمادات فهذا ما ستجنيه، و أما إذا غرست فيهم الاهتمام بالمريض وحقوقه لاختلفت الأمور، ليست الرقابة أن تجبر موظف على التواجد طوال ساعات العمل في المستشفى، ولكن الرقابة أن تجعله يقوم بالعمل المنوط به، فممرضة طوارئ الأطفال كانت حاضرة غائبة في ذات الوقت، السؤال الأهم لهذا المستشفى وغيره ( هل تعملوا من أجل التقييم، أم تقيموا من أجل عملكم ؟!! ).*
وأخيراً هذا ما رأيته عندما خلعت معطفي الأبيض ، ودخلت للمستشفى كمراجع لا يعرفه العاملون، حقائق رأيتها بنفسي لم يقل لي أحد!!
محمد السنان - جدة
أخصائي علاج طبيعي
كاتب مهتم بالتوعية المجتمعية وتطوير الخدمات الصحية
@5rbshatsinan
أيقظتني زوجتي صباح الجمعة لضيق تنفس ابني ذو التسعة أشهر، مع كحة متواصلة وحرارة في جسده، توجهت إلى طوارئ مستشفى الملك عبدالعزيز بجدة، كانت المواقف متوفرة بسهولة، دخلت إلى غرفة الفرز التي كانت خالية من الازدحام وبها ممرضة تجلس على مكتبها وهذا الوضع الطبيعي، فعندما وصلنا إليها بادرتنا بلغة صلبة ( اطلع جيب ورقة من برا ) تعني نموذج الفرز المرمي في الخارج على طاولة دون أن يكون هناك من يوزعه !! ذات الورقة التي عندما عدت رأيت مجموعة كبيرة منها غير مستخدمة على مكتبها !! وتكرر الموقف مع رجل كبير في السن يمشي بصعوبة عندما وصل إليها قالت له ( اطلع جيب ورقة )، لم تتحرك انسانيتها لتقطع له ورقه من طرف مكتبها!! لم تقل له استرح يا عم سأحضر الورقة عنك !! توجهت بعد ذلك إلى الاستقبال لتسجيل ابني ولم يكن هناك ازدحام، كان تجاوب موظف الاستقبال سريعاً، لم يفتقد سوا بعض أساسيات اللباقة بأن يوقف القهقهة مع صديقه ويلتفت لوجه المراجع، لم يكلف نفسه أن يوجهني بعد أن أعطاني الورقة، هو موظف جيد في عمله، لو تم تدريبه على مقابلة الجمهور لكان أدائه أفضل، توجهت إلى غرفة فحص الأطفال مع طفلي، و دخلنا للطبيبة التي كانت متواجدة و متعاونة جدا، قامت بالفحص اللازم و كتابة الدواء و توجيه التعليمات لنا بشكل واضح ولبق، أعطتنا ورقة للذهاب لغرفة علاج الأطفال لعمل جلسة بخار تريح صدر ابني المتألم، ذهبت فلا أحد في الغرفة !! قلت في نفسي لعل الممرضة ذهبت لقضاء أمر هام !! توجهت إلى الطبيبة أسألها فقالت لي لا اعلم ابحث عنها في الغرف المجاورة !! ذهبت إلى المدير المناوب بجانب الإستقبال، ألقيت التحية ورد باحترام،بادرته بسؤالي ( أنا مع ابني هنا لتلقي العلاج و لا يوجد ممرضة هناك ؟!! ) فكان الجواب الجميل من المسؤول عن الطوارئ وقتها ( اسأل الطبيبة هي أدرى عنها ) ، ارتسم على وجهي التعجب أن اضطر كمراجع أن ابحث عن الممرضة في أنحاء الطوارئ!! كيف لا يتعرض غيري لنفس الإهمال من تغيب الممرضة، إذا لم يقم المسؤول عن الطوارئ بالاهتمام بالموضوع، ولا حتى محاولة الاستفسار عن سبب عدم تواجدها!! ذهبت لغرفة علاج الكبار وسألت ممرضة ( أجنبية ) فقالت لا أعلم عنها ولكني سأتي لمساعدتك، قدمت بكل لطف و أعطت لابني جلسة البخار، سألتها أين الممرضة المسؤولة عن الأطفال ؟! ارتسم الخوف على وجهها مع علامة ابتئاس، مبينة أنها ليست المرة الأولى التي تغطي المكان عنها !!*
انتهت الجلسة ومضيت إلى الصيدلية استلمت الأدوية بسرعة جيدة، وأنا متوجه لسيارتي قلت لزوجتي أن تنتظرني لأتأكد من أمر ما، كي لا اظلم أحداً في حكمي، و مررت على غرفة الفرز وكانت بها ممرضة أخرى فسألتها ( هل الورق على طرف طاولتك للفرز هو ذاته بالخارج ؟!! ) فأجابتني نعم هو ذاته !!*
لم تستغرق زيارتي نصف ساعة، وهذا وقت قياسي وممتاز للخدمة في أي طوارئ، وهذه نقطة ايجابية تخفف من وطأ المرض على المراجع، ولكن افتقاد الممرضة في غرفة الفرز وموظف الاستقبال إلى اللباقة في التعامل تفسد سرعة الأداء التي كانت موجودة، ولكن ما افقد هذه الزيارة أن تكون مثالية هو تسيب وغياب ممرضة قسم الأطفال عن مكانها، التي لم تكن مع الطبيبة في غرفة الفحص و لا غرفة العلاج، تسيب شخص واحد فقط في منظومة الطوارئ يفسدها ويشوه نجاح الآخرين، نعم ما رأيته في زيارتي يستحق الاعتماد من لجان الجودة التي يهمها الأوراق وسرعة الأداء، لكنه لا يستحق أن يوصف بالإنسانية أبداً، فالتعامل مع الإنسان مختلف عن التعامل مع الأوراق والأجهزة، و لا يخفى على أحد أن ما يحدث لدى الموظفين في أي مكان، ما هو إلا انعكاس للإدارة و ما تغرسه من مبادئ واهتمام، فإن هي غرست فيهم الاهتمام بالأوراق والاعتمادات فهذا ما ستجنيه، و أما إذا غرست فيهم الاهتمام بالمريض وحقوقه لاختلفت الأمور، ليست الرقابة أن تجبر موظف على التواجد طوال ساعات العمل في المستشفى، ولكن الرقابة أن تجعله يقوم بالعمل المنوط به، فممرضة طوارئ الأطفال كانت حاضرة غائبة في ذات الوقت، السؤال الأهم لهذا المستشفى وغيره ( هل تعملوا من أجل التقييم، أم تقيموا من أجل عملكم ؟!! ).*
وأخيراً هذا ما رأيته عندما خلعت معطفي الأبيض ، ودخلت للمستشفى كمراجع لا يعرفه العاملون، حقائق رأيتها بنفسي لم يقل لي أحد!!
محمد السنان - جدة
أخصائي علاج طبيعي
كاتب مهتم بالتوعية المجتمعية وتطوير الخدمات الصحية
@5rbshatsinan
