• ×

01:46 مساءً , الخميس 16 شوال 1445 / 25 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


شَطَط الواقِع الدِينِي اليَهودِي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الكاتبة: خولة مرتضاوي
الكاتبة: خولة مرتضوي

إنّ الدِيانَة اليَهُودِيَة تَحتَل مُنذُ القِدَم مَكانَةُ بارِزةُ وَمُهِمَة فِي تَارِيخ الأَديان، فَهِيَ تَعتبَر مِن أقدَم الدِيانًات التَوحِيدِيَّة التِي عَرَفَتها البَشريَّة والتِي كانَ لها دورٌ كبيرٌ في فهم دِيانات الشَرق الأدنى القَديم، بالإضافَة إلى أهميتها في فهم التاريخ اليَهودي ومعرفة الحَركة الصُهيونيَّة العالمية الجديدة بشكل مكثف، وأهميتها الخاصة من أجل فهم معمق للفكرة الإسرائيلية (مشكلة الإسرائيليات) والتي ظهرت في بعض كتب التفسير والتاريخ الإسلامي، أضف إلى ذلك العلاقة الدينية القوية لليهودية بكل من الإسلام والمسيحية.
ورغم شطط الواقع الديني اليهودي عبر التاريخ إلا أننا نُسَلِم أنَّ اليهودية تعدُ من الديانات التوحيدية التي اشتملت على مجموعة من الدعوات النبوية التي جاء بها أنبياء بني إسرائيل والذين رَكزوا جَميعا في دعوتهم على (التوحيد) كعقيدة أساسية، كما ورَكزوا على تخليص اليَهودية من التَأثيرات الوثنية التي طرأت عليها نتيجة اتصال اليَهود بعددٍ كبيرٍ مِن مُعتنقي الوثنية خاصةً الكنعانيين والمصريين والآراميين والفُرس والرُومان وشُعوب بِلاد النَهرين وغَيرهم.
إنَّهُ مِما لا شَكَ فَيه أنّ التَطور الديني للدِيانة اليَهُودِية انتهى مُنذُ السبي البابلي وصلاً إلى دعوة عيسى عليه السلام والتي نادت إلى اصلاح اليهودية وذلك بعد أن تمّ تحويلها إلى ديانة خاصة بفعل المؤثرات القومية والوثنية التي خضعت لها اليهودية منذ تطورها، كما أنّ هذا التيار اشتد بعدَ مُرور اليَهود أنفسَهم بأزماتٍ كثيرة عبرَ التاريخ أدَّت فِيما أدَّت إلى حُدوث تَغيرات وتَحولات دينية عميقة انتهت إلى تحول الديانة اليهودية لديانة قومية خاصة.
إنّ النفي الذي تعرض له اليهود على يد البابليين في القرن السادس قبل الميلاد والذي تلاه نفي آخر على يد الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد تسبب بشكلٍ مباشر في ظاهرة (الدِيسابُورا) أو الشَتات اليَهُودِي والذي على إِثرِه تَكوَنَت الكَثير مِن الطَوائف والجاليات اليهودية التي حلّقًت حول الدين واعتبرته العامل الأساسي إن لم يكن الوحيد في توحيدها في ضوء تشتتهم الواقعي في كل مكان، الأمر الذي ساهم في إحداث تَغيرات عميقة في كُنه الديانة اليهودية، كما وأصبح الدين وسيلة اليهود في مُقاومة اليونان والرومان، وعليهِ فإنَّ اليَهودية تَحولَت شَيئاً فَشَيئاً إلى أداة قَوميَّة وسِياسيَّة لِمواجهَة أعداء اليَهود على المُستوى الدِيني والسِياسي، وهو ما حوّلَ الديانة اليهودية لتصبح ديانة خاصة وحصرية ببني إسرائيل.
كما أنّ الأوضاع السياسية لليهود خلال السبي ساعدتهم كثيراً على تبني الاعتقاد في المخلص (تطور فكرة المَسيحَانِية) والذي أّنسَبُوهُ إِلى بَيتِ داودَ عَليهِ السَلام وبِطبيعَة الحَال أَكسَبُوه مُواصفات أٌسطوريَّة بُطوليَّة جاعِلين وَظيفته جَمع شتاتِهم وتَحقيق الخَلاص لِبني إسرائيل مِن أعدائِهم في نِهاية المَطاف، وقد زادُوا على ذلِك بِحيث وَضَعُوا لِقدومِهِ شَروطاً مُحدَدَة وبِالتالي تَحوَلَ المُخَلِص إِلى مُعتَقَد دِينيّ أَسَاسِي فِي اليَهُودِيَّة مِن بَعد السَبي البَابِلي.
إنّ الخُصوصية الدينية لليَهَودية تمّ تدعِيمها عَبرَ الزَمن بِمعتقدات تَوراتِية تمَّ تَحريفُها لِتُكَرِس هذا الاتجاه القَومي ومِن ضِمن تِلك المُعتقدات المُحرّفَة: عَقيدة الاختيار الإلهي لبَني إسرائيل، عَقيدة تَوريث الأرض المُقدسة لسَيدنا ابراهيم عليهِ السَلام وفِكرة العَهد الخاص المَقطُوع بينَ إله إسرائيل وجَماعة بَني إسرائيل (قًومياً وعِرقياً وعُنصرياً) حيثُ تمَّ تخصيص الإله وجعلهِ خاصاً ببني إسرائيل، الأمر الذي وَلَّدَ الكثير مِن مشاعر الكَراهية والمُعاداة والحِقد بينَ اليَهود وغيرِهم مِن الأقوام، وعليهِ خَضعت الأخلاق كذلك للرؤية العُنصريَة التِي انتشرت في الديانَة اليَهودِيَة إلى أن حَوّلَتها فِي النِهاية إلى ديانة عُنصرية صِرفة خالية تماماً من الاتجاه العالمي، ولقد كانَت الأزمات التاريخية المُتواترة التي مَرَت باليَهُود عُنصراً مُساعداً فِي دَعم هذا الاتجاه الخاص باليَهودية والذي أدّى إلى مَنع اليَهود مِن الدَعوة والتَبليغ وبالنتيجة وقعوا فِي براثِن الشِرك والوَثنية مِن خِلال اعترافهم بِوجود آلهة مُتعددة للأُمم الأُخرى ووُجود إِله حَصري خاص بِهم.
وقَبلَ بُزوغِ فَجر المَسيحيَّة بِنيّف أَصابَ اليَهُودِيَّة جُمودٌ دِينيٌ وتَشريعِيٌ كانَ نَتاجاً مُباشِراً لِلقَوميَّة والخُصوصيَّة التِي صُبغت بِها، أضِف إِلى ذلِك تَراكُم التُراث اليَهُودِي عَبرَ الزَمن وعَدَم تَطور رُؤى دِينية ذاتَ نَزعة ناقِدة لهَذا التُراث لتَقوم بِالتَخلُص مِن الرَواسِب التِي تَعلقَت بِاليَهُودِيَة مِن أَفكار أُسطُوريَّة مُبالَغ فِيها، وَقَد كانَ هذا التَراخِي سَبباً فِي عدَم مُحاولتِهِم تَنظيم تُراثهم أو حَتى جَعلهِ مَفهُوماً فِي إطار نِظام دِيني مُتماسك وَوَاضِح، وبِالتالي أَسرَفَ اليَهُود كَثيراً فِي استخلاص التَشرِيعات مِن هذا التُراث المُتراكم (غيرِ المُحدَث والمُنَظم) فَغَرقت اليَهودية غَرقاً شَديداً فِي بحرٍ لُجي مُتلاطِم مَليء بِالتَشريعات والأحكام المُتناقضة فِيما بينِها والتِي أدَّت إِلى إرهاقِ الرُوح الدِينية اليَهُوديَّة، وَبِسَببها أَصبَحَ اليَهُودِي عَبداً ذَليلاً للفُروض والواجِبات الدِينية وما تَتطلبُها مِن طُقوس وَشعائِر، حَيثُ يُؤديها مُرغماً دُونَ فَهمٍ واضِح لمضامينها وكُنهها، الأمر الذي قَضى بشكلٍ أو بآخر على الرُوحانية في التدين، ومِن هُنا أُضيفت للديانة اليهودية صِفَة الديانة الطقوسية الشعائرية.
لقد لَعِبَ رجالُ الدين اليهودي دور البطولة في سيناريو الشطط التاريخي للواقع الديني اليهودي فقد تَحكّموا منذ البداية في الحياة الدينية وأكثًروا من الفروض والأحكام الخاصة بالقرابين والأُضحيات التي تَصُب مباشرةً في خزائِنهم (خَزائِن الكَهنة)، حيثُ وَجهُوا الطُقوس والشَعائر لخِدمة مصالحهم الدينية والاقتصادية الأمر الذي أدّى إلى تسَلُطهم المُبالغ على الناس، فقد عُرِفَ بشكلٍ عام عن اليهود وخاصة الكهنة والحاخامات اهتمامهم الخاص بالماديات من ثروة ومال وغِنى، فهم يجدونها المحرك الأساسي للحياة الإنسانية، ومن هُنا أُضيفت إلى اليهودية صفة الديانة الكَهنوتية، فَرُجل الدين أصبحَ المُتحكم بمصائر الناس، الأمر الذي زاد من حِده تَوجهِهم في العُنصرية والتَطرف والعُنف مُبلوِرَأً اتجاه اليهودية كديانة مادية دُنيوية عَبرَ تاريخها على حساب الروحانية الدينية.
إنَّ أنبياء بني إسرائيل لم ينجحوا في تغيير المسيرة الدينية لليهودية رُغمَ كُل ما اشتملت عليهِ دَعواتهم مِن أفكار تخُص البَعث والحياة ما بعد الموت ومحاولتهم إعادة الجانب الأخلاقي للديانة، وكان الكَهنة أولَ من قاومَ الأنبياء في اتجاههم الأُخروي النَبوي وتمكّنُوا بِواسطة نُفوذهم وسُلطانهم مِن قَمع وتَصعِير كُل هذه الدعوات (والتي شاء الله تعالى لها ذلك)، وقد تَحدَثَ القُرآن الكريم عن بَني إسرائيل بِصفة خاصة في حواليّ 50 سُورة مِن القُرآن، إضافةً إلى حَديثهِ عَنهُم في بَقية سُوَرِه بِوَجهٍ عام، وذلك باعتبارهم طائِفة مِن طوائف الكافرين والمشركين، وقَد أَخبَرَ اللهُ تَعالى في آياتِ القُرآن أَخباراً صَرِيحَة فِي أنَّ اليَهود قتَلُوا الأنبياءَ بغيرِ حَق، قالَ اللهُ تَعالى: "وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ". (البقرة: 61)
وتُعتَبَر التَوراة بِمُوجَب تَعاليم اليَهودِية نَصاً مُنزلاً مِن عِندِ الله وفي الوقت نَفسه يَعتقِد الكثير مِنَ المُفكرين اليَهود المُحدثين بأنَّ التَوراة هِي نُصوص وضَعَها عددٌ مِنَ المُؤلفين وجُمعَت بِالتَدريج على مرِّ العُصور، الأمر الذي يَجعل التَوراةَ وأسفارُها الخمسة كذلك دليلاً بارزاً اليوم على شَطط الواقِع الدِيني اليَهودي فالتوراةُ بَلورَت بِشكلٍ أساسي التَارِيخ اليَهودي وكانت مُحصلةً لَهُ بِالنَتيجة، كما وأنَّ التِلمود والذي يُعتبر مِن أَهمِّ الكُتُب الدِينية عِندَ اليَهود يُعَدُ دَلِيلاً آخرَ على شَطَطِ الدِيانة التاريخي خاصةً لو عَلِمنا أنَّ التِلمود جَمَعَ تَفسيرَ الحَاخَامَات للشَرِيعة المَكتوبة (التوراة) والَتِي كانت تَفسيرات ذاتيَّة براغماتيَّة لمآربَ بِعينها.
وبطبيعة الحال تغيرت الشريعة اليهودية كثيراً عبرَ التاريخ اليَهُودِي، أذكُرُ مِنها الصَلاة اليَهُودِية والتي كانَ مضمونُها خاضعاً للتَغيير حَسَبَ التغيُرات السِياسية والأحداث التاريخية، ففي صَلاة الصُبح كانَ اليَهُودِي يَشكُر الإله أنه لم يَخلُقهُ أُممياً: أي من غير اليَهود الأغيار، وفي الجُزء الخِتامي مِنَ الصَلاة ذاتها يَبدأ بالدُعاء التالي: " نَحمدُ إلهَ العالمينَ أنّهُ لم يَجعلنا مِثلّ أُممِ الأرض، فَهُم يَسجُدونَ لِلباطلِ والعدم ويُصَلُونَ لإلهٍ لا يَنفعُهُم"، وقد حُذِفَ هذا الجُزء مِنَ الصَلوات في غَربيّ أُوروبا وظَلَ يُتداوَل فِي شَرقيّ أُوروبا وإسرائيل، وأُشير أنَّه يُمكن أن تُضاف للصلوات أدعِية وابتهالات مُرتبطة بِأحداثٍ تاريخيةٍ وقوميةٍ مختلفة، وقَد كانت الصَلاة تُقام بالعِبرية أساساً، ولكِن مَعَ حَركَة إصلاح اليَهُوديَة والتِي جَاءت في وَقتٍ مُتأخر أَصبَحَت الصلاة تُؤدى بِلغُة الوَطَن الأُم، رُغم أنَّ الأَرثوذكس قد احتفَظُوا بالعِبريِّة، كما ويزالُ المُحافِظُون اليَهود يُطَعِمُونَ صَلواتِهم بِعبارات عبِرية.
وتَجِد أنَّ أحبارَ اليَهُود فَرَضُوا الصِيامَ على أَتباع اليَهُودِيَّة أيامَ السَبِي البابلي، حيثُ سَنُّوا لَهُم صَومَ إحراق بيتِ المَقدِس وَصَومَ حِصارِه وغَيُرها مِنَ الأصوام التِي فَرَضُوها على أَتباعِهِم والتِي لم يَفرِضها عليهم موسى عليه السلام ولا اشتَمَلت عليها أسفار التوراة، وهُناكَ الكَثير مِنَ الأيامِ التِي يَصُومُها اليِهودِي قرَرَها عَليه الحَاخَامَات كذلك، وقِسّ على ذلِك كُل مَظاهِر الشَطَط التِي نالت مِن عِباداتِهم وشَعائِرهم وأخلاقِهم، والتي رَبَطُوها بِحِنكَتهِم ومادِّيَتِهم البَحتة بِعبادة (يَهوَه) وتَنفِيذ وَصايا التَوراة المَفروضة.
وفِي النِهاية أستطيع القَول أنَّهُ لا يُمكننا اليَوم فَهم أَيدُولوجِيَة الحَركَة الصُهيونِيَة الحَديثَة بَعِيداً عَن مَجال الدِين اليَهودي وذلِك باعتبارها آخر حَلقة فِي التَارِيخ اليَهُودِي، وُرغمَ عِلمانِيَّة الحَرَكَة الصُهيُونِيَة إِلا أَنَّها استغلّت اليَهُودِيَة لِتَحقيق مَصلَحتِها الصُهيونِية الصِرفًة، فقد جَنَحَت إِلى استِغلال الدِيانَة اليَهُودِيَة لِتَوصيلِ أَفكارِها القَوميَّة إِلى اليَهُود وَرَبطِه بِمَسِيرَة التَارِيخ اليَهُودي بِشَكلٍ عَام، وَتَحولَ الخَلاص الدِينيّ عَلى يَدِ الصُهيُونِيَّة الحَاليَّة إِلى خَلاص سِياسي.

خَولة مُرتضويّ - إعلامية وباحثة أكاديمية في الإعلام الجديد ومقارنة الأديان


بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  1065
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:46 مساءً الخميس 16 شوال 1445 / 25 أبريل 2024.