• ×

04:11 صباحًا , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


عَهدانِ أم عَهدٌ واحِد؟!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 خولة مرتضوي
خولة مرتضوي

من المعلوم أنَّ المسيحية نشأت نتيجةَ الأوضاع التي سادت التفكير الديني عند اليهود، فالمسيحية امتدادٌ للديانة اليهودية وتصحيحٌ لأوضاعها، وقد اعتُبرت دعوة عيسى عليه السلام تمثيلاُ لهذه الرؤية التصحيحية لليهودية من داخلها، وخلال حياته ظلَ التفكير الديني الجديد مرتبطاً باليهودية ومتمسكاُ بمعتقداتها وكُتُبها وراغباُ في تصحيح أوضاعها الدينية، والتخلص من السلبيات التي تسربت إليها، وبالتالي فإن دعوة عيسى عليه السلام لم تأخذ اتجاهاً مغايراً، ولم تسعَ إلى وضع دينٍ جديد منافس لليهودية، إنما سعت أساساً لتصحيح اليهودية القائمة.
لكنِّ الأوضاع لم تبقَ على حالها، فبعد وفاته عليه السلام ورفعه إلى السماء بدأ يتطور فكر مسيحي مستقل عن اليهودية، حيثُ دار حول شخصية المسيح عليه السلام، وطبيعة الأعمال التي وقعت له وجاء ذلك بسبب عجز العقل المسيحي الأول عن فهم إطار المعجزات الإلهية الأمر الذي أدى في النهاية إلى تطوير الاعتقاد في ألوهية المسيح وما نشأ عنه من آراء ومذاهب حمَلت الفكر الديني بعيداً عن مجال اليهودية وطورَّت ديناً جديدا باسم المسيحية.
ومنذ ذلك الحين اعتمدت الفِرق المسيحية المختلفة على الكتابات التي تركها تلاميذ عيسى عليه السلام، والذين قاموا بتسجيل سيرته في عددٍ من الكتب عُرِفت بالأناجيل والتي جُمعت إلى بعض الكتابات الأخرى وكوّنت كتاب المسيحية المقدس أو ما يُعرف باسم العهد الجديد، وقد ضُمَّ العهد الجديد إلى العهد القديم وسميا معاً باسم الكتاب المقدس.
ويؤمن المسيحيون بقدسية الكتاب المشتمل على العهد القديم والذي يحتوي التوراة (الناموس) وأسفار الأنبياء التي تحمل تواريخ بني إسرائيل وجيرانهم، بالإضافة إلى بعض الوصايا والإرشادات، كما يؤمنون بالعهد الجديد والذي يشمل الأناجيل الأربعة: (متَّى، مرقس، لوقا، يوحنا) والرسائل المنسوبة للرسل، وعليه فإن فِرقة كبيرة منهم تؤمنون أنَّ ما في العهد الجديد يُلغي ما في العهد القديم؛ لأنه في اعتقادهم كلمةُ الله، وذلك على خلافٍ بين طوائفهم في الاعتقاد في عدد الأسفار والرسائل، بل وفي صحة التوراة نفسها.
ولا يمكننا أن نغفل أن الكثير من المسيحيين في نفس الوقت يجد أن العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد هي علاقة وحدة وترابط، فكل من العهدين (حسب ما يرون) مصدر وحيهُ الرب الذي أنزله من أجل هدف رئيسي يهمّ البشرية كلها، وهو الخلاص الذي حققه الربّ في شخص المسيح، كما ويعتقدون أن العهد القديم من وأسفاره كافة كان يؤسس للعهد الجديد، أي عهد تجسد الرب يسوع وتتميمه عمله الخلاصي بموته وقيامته ووعده بمجيئه ثانية في آخر الأيام، خاصةً أنّ هذه الحوادث أشار إليها العهد القديم بشكل مباشر أو برموز معينة.
ويُعلل المسيحيون الذين يؤمنون بأهمية العهد القديم جنباً لجنب العهد الجديد إنًّهُ لو كان بين يديهم العهد الجديد فقط، لكانوا سيقرأون الأناجيل من غير أن يفهموا سبب انتظار اليهود للمسيّا (المخلّص الملك)، ولم يكونوا ليفهموا سبب مجيء المسيّا للأرض (سِفر إشعياء)، ولن يتمكّنوا من التعرّف على يسوع الناصري (المسيّا المنتظر) من خلال النبوءات العديدة التي سبقت مجيئه، والتي تناولت ميلاده وموته وقيامته (سِفر ميخا (، وعليه فإنهم يقولون أنَّهُ من غير العهد القديم، لا يمكننا أن نتعرّف على العادات اليهودية، والتي تُذكَر بصورة عابرة في العهد الجديد، ولن نتمكّن من تمييز العادات المُضافة لشريعتهم والتي قام الفرّيسيّون بخلطها مع كلمة الله (بحسب زَعمهم) ولن نتمكّن من فهم سبب غضب يسوع عند تطهير الهيكل، ولن نتمكّن كذلك من فهم الحِكمة التي تكَلَّم بها يسوع للردّ على معارضيه (البشر والأرواح الشريرة).
وبذات الحُجَّة فإنهم يجدون في أناجيل العهد الجديد وأعمال الرُسُل إتماماً للنبوءات المدونة مُنذُ مئاتِ السنين في العهد القديم، التي تتعلق بمجيء المسيح وظروف ميلاده وحياته وموته وقيامته، وهي التفاصيل التي تُعَضِّد إعلان المسيح بأنه المسيا المنتظر، وكذلك نبوءات العهد الجديد (نجد الكثير منها في سفر الرؤيا) بأنها مبنيَّة على النبوءات القديمة الموجودة في كتب العهد القديم.
وهؤلاء المسيحيين يجدون أنَّ العهد الجديد يُنير أذهانهم عن أشياء مُشار إليها فقط في العهد القديم، فالرسالة إلى العِبرانيين تصف يسوع المسيح برئيس الكَهنة والذي تحل تضحيته محل كُل التضحيات الأخرى، كما أنَّهم يُؤمنون أن العهد القديم قَدَّم لهم الشريعة في جزئي الوصايا والبركات المُستحقة عن طاعته، واللعنات المستحقة عن عصيانه، فيما وضح العهد الجديد لهم أنَّ الله أعطى الإنسان الوصايا ليُعلّمه احتياجه للخلاص وليس كوسيلة للخلاص، وفي المُقابل يَصف العهد القديم نِظام التضحية بأنَّه نِظام مُؤقت منحه الله لشعب إسرائيل لتغطية خطاياهم، بينما يوضح العهد الجديد أن هذا النظام كانَ تمهيداً لتضحية المسيح الذي من خلاله وحدّهُ الخلاص، كما أنَّ العهد القديم يصف الجنة الضائعة بينما يصف العهد الجديد استرداد الإنسان لحقه في الحياة الأبدية من خلال المسيح، وكما يصف العهد القديم انفصال الإنسان عن الله كنتيجة للخطية (سِفر التكوين)، يصف العهد الجديد قدرة الإنسان على استرداد علاقته مع الله (رسالة روميَّة).
ويُمكن القول انّ العهد القديم وبِحسب مُعتقدهم يَطرح الأساس لتهيئة شعب إسرائيل لمجيء المسيا الذي سيُضحي بنفسه من أجل خطاياهم (ومن أجل خطايا العالم)، والعهد الجديد يصف حياة المسيح على الأرض ثم يدقق النظر في ما صنعه المسيح وكيف ينبغي أن يستجاب لهِبَة الحياة الأبدية
ونجد أنّ المسيحيين الكاثوليكيين يتفقون مع من سبقهم حيثُ جاء في كتاب "مختصر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية"-والذي يُعدّ من أهم الكتب عندهم وطُبع بعناية وإشراف الفاتيكان – تساؤل حول أهمية "العهد القديم" بالنسبة للمسيحيين؟ فأجابوا أنّ المسيحيون يوقِّرون "العهد القديم" على أنه كلمة الله الحقيقية، وجميع أسفاره مُوحَى بها، وهي تحتفظ بقيمة لا تزول، وهي تشهد للنهج الذي تنهجه محبة الله الخَلاصية، وقد كُتب خصوصاً لإعداد مجيء المسيح مُخلِّص الدنيا، وجاء في الكتاب نفسه تساؤلٌ حول نوعِ الوحدة بين العهدين القديم والجديد؟ فأجابوا، أنَّ الكتاب المقدس واحد ؛ إذ إنَّ كلمة الله واحدة ، وقَصد الله الخلاصي واحد، والوحي الإلهي واحد في هذا العهد وذاك، العهد القديم يُهيئ الجديد، والعهد الجديد يتمم القديم، وفي الواحد منهما إيضاح للآخر.
ويُعزِّي بَعضُ المفكرين المسيحيين الذين رَفضوا الإيمان بما جاء في العهد القديم موقفهم حين يشيرون أنَّ العهد القديم يُعدّ من أكثر الكُتب التي تأمر أتباعها بقتل النساء والأطفال، كما يرون أنه كتاب إباحي يصلح للمجلات البورنو(المجلات الخادشة للحياء\ الخلاعية) وفيه يُشبه ربهم نفسه بالخروف، ويختار زُناةٍ ليصبحوا أنبياءه، وهؤلاء المفكرين يدعون أتباعهم بهذه الحُجج ليدعوا عنهم ما جاء في كتاب العهد القديم، وأن يُركزوا على كتاب يسوع (العهد الجديد) ، وفي المُقابل يردُ عليهم المسيحيين من متبعي العهدين (الكتاب المقدس كاملاً بِشِقيّه) ليؤكدوا أنَّ يسوع كان واضحاً جداً بخصوص العهد القديم والأنبياء والشرائع الأوليَّة ويِسُوقونَ الأدلة مما جاءَ في إنجيل متى (الأسفار من 17 – 20) من أقوال جاءت على لسان يسوع نفسه، منها: "17 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ،18 فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، لَنْ يَزُولَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ،19 فَأَيُّ مَنْ خَالَفَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُ، يُدْعَى الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ بِهَا وَعَلَّمَهَا، فَيُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، 20 وإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى بِرِّ الْكَتَبَةِ والْفَرِّيسِيِّينَ، لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً". كما أنَّهم يُلحقون ذلك بما جاءَ على لسان بولس الرسول في تفسير رسالة تيموساوث الثاني (من الكتُب التي فسّرت العهد الجديد) الأسفار من 14-17 وهي: 14" إنَّمَا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَهُ وَتَيَقَّنْتَهُ بِالتَّمَامِ، إِذْ تَعْرِفُ عَلَى يَدِ مَنْ تَعَلَّمْتَ ذَلِكَ، 15 وَتَعْلَمُ أَنَّكَ مُنْذُ حَدَاثَةِ سِنِّكَ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، وَهِيَ الْقَادِرَةُ أَنْ تَجْعَلَكَ حَكِيماً لِبُلُوغِ الْخَلاَصِ عَنْ طَرِيقِ الإِيمَانِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 16 إِنَّ الْكِتَابَ بِكُلِّ مَا فِيهِ، قَدْ أَوْحَى بِهِ اللهُ؛ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَتَهْذِيبِ الإِنْسَانِ فِي الْبِرِّ، 17 لِكَيْ يَجْعَلَ إِنْسَانَ اللهِ مُؤَهَّلاً تَأْهِيلاً كَامِلاً، وَمُجَهَّزاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ."
وتَجدُر الإشارة إلى أنَّ العهد القديم ينطوي على كثيرٍ من الأوامر التي لا توجد في العهد الجديد، مثل السبت (اليوم السابع)، تقديم الذبائح، الكهنوت اللاوي، الختان، الأيام المقدسة، حرق البخور، دفع العشر، موسيقى الآلات، والرقص في العبادة، ومما تقدّم يتبين أن بعض المسيحيين يلتزمون بجميع شرائع العهد القديم، كما يلتزم آخرون بشرائع العهد الجديد فقط، بينما يحاول البعض الآخر التقيد بالوصايا العشرة، اليوم السابع ـ السبت، أو أجزاء من شريعة موسى، لكنهم يتجاهلون القوانين الأخرى.
ورُغم مَيلِ المسيحيين التامّ (بشكلٍ عام) لتعاليم العهد الجديد إلا أنَّ العهد القديم كان الأساس في وضع التعاليم والأحداث الموجودة في العهد الجديد، فوحيُ الكتاب المقدس - كما نستقرئ في التاريخ اليهودي المسيحي- هو وحيٌ تدريجي (أو كتابات وضعية متواترة في مفهومنا الإسلامي الذي نستسقيه من خط النبوة)، فمن المنطقي أنّه إن تجاهلتَ قراءة الجزء الأول من أي كتابٍ هام فستجد أنه من الصعب أن تفهم كل الشخصيات الموجودة في الكتاب والقصة ونهايتها، وعليه فإنه يمكن استيعاب ما هو موجود في العهد الجديد عندما نتعامل معه باعتباره مُكمِلاً للعهد القديم.
يقول الدكتور جمال الحسيني أبو فرحة أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعــــة طيبة بالمدينة المنورة في مقالته (ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) المنشورة بمجلة الفسطاط: أنّ من المفارقات أن نجد أنَّ (باول شفارتزيناو) أستاذ الثيولوجيا البروتستانتية وعلوم الأديان بجامعة دورتموند بألمانيا يُصَرِّح بأنَّ القرآن هو الصُورة الأصلية الأولى لتعاليم الكتاب المقدس، ويقول: إنها لحقيقة: أنَّ أقوال عيسى وأقوال المسيحيين الأوائل لم تَصل بشكلٍ صحيح إلى العهد الجديد المعاصر، ويقول: إنَّ القرآن هو التكملة الحقيقية لأقوال عيسى المسيح!

خَولة مُرتضويّ - إعلامية وباحثة أكاديمية في الإعلام الجديد ومقارنة الأديان


بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  1709
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:11 صباحًا الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024.