• ×

07:39 مساءً , الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


التَثَاقُف الدِينِيّ بَينَ اليَهُوديَّة والمَسِيحِيَّة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الكاتبة : خولة مرتضوي
الكاتبة : خولة مرتضوي

يعدُّ الدين أحدَ أطرافِ الوعيِ الجَماعي لِمختلِف الثقافات والتَيارات الفكرية، حيثُ يعتبر من المحركات الأساسية في أي حضارة إنسانية عبر التاريخ، وهو كذلك المِعوَل الحقيقي لقيم التواصل الإيجابي والانفتاح على الآخر بكل تجلياته المتباينة. ومما لا شك فيه أن التاريخ الديني يشتمل على نماذج كثيرة تحوي بين طياتها حركاتُ تأثرٍ وتأثير بين مختلف العناصر الدينية، فتارةً يكونُ محورها صعوداً نحو كل ما هو إيجابي، وتارةً أخرى يكونُ هبوطاً وانحداراً حضارياً وثقافياً بمختلف مستوياته، وهو ما يمكن أن يُصطلح عليه بالتثاقف الديني.

وقد عَرَفت كلُ الأديان الامتدادات التثاقفية في كُلِ أو بعضِ بُنياتها الأساسية، وكانت حركةُ التأثير والتأثُر تلعبُ دورها الإيجابي والسلبي على حدٍ سواء في رسم هذا الخط التثاقفي بمختلف أشكاله، ولعلَ أهم جانب من جوانب التثاقف الديني ذلك الجانب المتعلق بالتصورات والعقائد والمرتكزات الفكرية. وقد اخترتُ لمعالجة إحدى جوانب هذه الصورة الثقافية الدينية، البُعدَ الديني اليهودي وعلاقتُهُ بالمسيحية، فلا غَضاضة أن الديانة المسيحية نشأت على براثن التشظِّي الذي لحق بالديانة اليهودية، فالوضع الديني في بني إسرائيل يُعدُّ من أهم العوامل التي ساعدت على ظهور المسيحية واتخاذها البنية الدينية التي اتخذتها وتميزت بها عن بقية أديان العالم، وكانت من أهم الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل ومهّدت لظهور الدين الجديد ظاهرة الشتات اليهودي (الديسابورا)، الذي نتج عن السبي والنفي الذي تعرض له اليهود على يد الآشوريين والبابليين والرومان، والتي كوّنت طوائف وجاليات يهودية تَمَركزَت حول الدين واعتبرته العامل الأساس في توحيدها بعد تشتتهم، والذي أصبح وسيلتهم الوحيدة فيما بعد لمقاومتهم السياسية والدينية لليونان والرومان.

كما مهّد لظهور المسيحية تدعيمُ اليهود خصوصيتهم الدينية بمعتقدات تَوراتية تمّ تحريفها لتكريس اتجاههم القومي وخصوصيتهم الدينية، أضِف إلى ذلك الجمود الديني والتشريعي لديهم وغيابُ الروحانية في التدين، علاوةً على اتجاههم المادي الدنيوي الصِرف عبر تاريخهم.
وتُعتبر تطور فكرة المسيحانية (الاعتقاد بالمخلص) عند اليهود من أحد الأسباب المساهمة كذلك في نشوء المسيحية، التي أصبحت لاحقاً من العقائد الأساسية في الديانة المسيحية الناشئة، التي قامت على فكرة الخلاص والمخلص، ووصفَت الإله فيها بصفة أساسية، أنَّهُ المسيحُ المخلص وحددت وظيفته في تحقيق الخلاص.

وعليه، فإنَّ ظهور الديانة المسيحية كان ردُ فعلٍ قوي تجاه هذه الأوضاع التي سادت التفكير الديني عند اليهود، ويُلاحظ أن معظم الأفكار المسيحية التي تطورت على أساس دعوة عيسى عليه السلام، تجاوزت فيما بعد هذه الدعوة متأثرة بعوامل أخرى تعكس ردود فعل المسيحية ضد الأوضاع الدينية اليهودية، ففي مقابل قومية الدين وخصوصيته أتت المسيحية بفكرة عالمية الإله وعالمية الدين، وفي مقابل الجمود الديني والتشريعي أتت المسيحية في البداية بفكرة التخفيف من الشرائع والأحكام وتخليص الدين من التكاليف المرهقة للإنسان، والدعوة إلى روحانية الطقوس والشعائر، حتى ظُنَّ بها أنها ديانة غير تشريعية، كما أتت المسيحية بمفهوم المحبة والتسامح في مقابل العنصرية اليهودية وما ولّدَتهُ من مشاعر الكراهية والحِقد والمُعاداة بين اليهود وغيرهم.

كما أتت المسيحية الناشئة بالتركيز على الجانب الروحي في الدين، وذلك في مقابل مادية اليهودية ودنيويتها، وإن كانت المسيحية في تطورها الديني أسرفت في هذا الجانب على حِساب الحاجات الدنيوية للإنسان، فتحولت في وقتٍ قصير إلى ديانة رهبنة وزهد وتقشف.

ورُغمَ أنَّ المسيحية الناشئة حاولت جاهدةً في أن تخفف من الطابع الكَهنوتي لليهودية، إلا أنَّها مع تطورها فيما بعد لم تستطع التخلص من هذه الصِفة الكَهنوتية بل طورت أحد أكثر النُظم الكهنوتية المعقدة في أديان العالم، وعليه فإنَّهُ لا مجال للشكّ في أنَّ المسيحية هي امتدادٌ للديانة اليهودية وتصحيحٌ لأوضاعها، حيثُ تُعدّ فترة دعوَة عيسى عليه السلام مُمثَلَةً لهذه الرؤية التصحيحية لليهودية من داخلها، وخلال حياة عيسى عليه السلام ظل التفكير الديني الجديد مرتبطاً باليهودية ومتمسكاً بمعتقداتها وكتبها وراغباً في تصحيح أوضاعها الدينية والتخلص من السلبيات التي تسربت إليها، وقد تغيرت الأوضاع بعد وفاته عليه السلام ورفعهِ إلى السماء، حيثُ بدأ يتطور فكر مسيحي مُستقل عن اليهودية، ويدورُ حول شخصية المسيح، الأمر الذي أدّى إلى تطور الاعتقاد في ألوهيته عليه السلام وما نشأ عن هذا الاعتقاد من آراءَ ومذاهب حمَلَت الفكر الديني بعيداً عن مجال اليهودية، وطوّرَت ديناً جديداً مستقلاً عُرف باسم المسيحية، وذك بالرُغُمِ من حَجمِ التثقيف الكبير الذي رَفَدَ المسيحية من نشأتها اليهودية الأولى ومن كتابِ العهدِ القديم، الذي يُعدّ أحدَ شَقيّ الكِتاب المُقدّس الذي يُؤمن بهِ المسيحيون.
ولا غَضاضَةَ أنّ العقيدة الاجتماعية (التعليم الاجتماعي) في المسيحية مستوحى من الكتاب المقدس، لاسيّما مقاطع بعينها مثل الوصايا العشر التي تلقفها النبي موسى على طُورِ سيناء، والتطويبات التي أعلنها، فالكُتب الستة والأربعين الأولى مشتركة بين اليهود والمسيحيين، ويطلق عليها اليهود اسم (التناخ- كتاب اليهود) وهو نَفسُه كتابُ العهدِ القديم عند المسيحيين، وقد أضافوا إليها سبعًا وعشرين كتابًا آخر يشكلون العهد الجديد (كتاب المسيحية).

وباستقراء التاريخ، فقد نشأت الكنيسة المسيحية في بيئة يهودية بَحتة ولم يَكُن المسيحيون الأوائل يتميزون عن سائر اليهود، وكان يَعتقد المسيحيون أن يسوع القائم من الأموات هو نفسه المسيح المنتظر الذي حقق كل ما يتوق إليه شعب العهد القديم "لم آت لأنقض بل لأتمم"، وكان المسيحيون الأوائل يواظبون على الصلاة في الهيكل ويعملونَ بشريعة موسى، وكان الأمرُ الذ يُميزهم عن اليهود هو إيمانهم بيسوع، وبالمعمودية باسمه وبمواظبتهم على اجتماعاتهم الخاصة لكسر الخبز (الأفخارستيا).

ومما تقدم، فإنَّهُ لا يُمكن فهمُ التقاليد التي جاء بها المسيح عليه السلام بمعزلٍ عن تشريعات الديانة اليهودية، حيثُ تُعَد مرحلة التشريع اليهودي بالنسبة للمسيحيين فترةً مرحليةً مؤقتة تمَّ الالتزامُ ببعض أحكامها لفترة قصيرة، متمثلةً في العهد المسيحي الأول، والتي يشبهونها بمرحلة الطفولة في التشريع الذي نما واكتمل فيما بعد في ظلِ التعاليمِ المسيحية. فعلى سبيل المثالَ المسيحيون في عددِ الصلوات إلى سبعِ صلوات، وبمعنى آخر قسَّمُوا النَهار بينَ العملِ والصَلاة، كما ارتبطَ أداءُ الصَلاة المسيحية بالمُوسيقى والتي وردَ ذِكرها في العَهدِ القَديم، حيثُ ارتبطت الموسيقى بالشعائر والطقوس التقليدية.

كما ويُعَدُّ إنجيل مَتّى الذي كُتبَ في بيتِ المقدس (أورشليم) في السبعينيات من القرن الأول الميلادي، أحَدَ دلائلِ التَثاقُفِ اليَهودية المسيحي، حَيثُ يَعكِس هذا الإنجيل فِكراً مَسيحياً يَهودياً مُعادياَ للفَريِسيين ومُهتماً بقضايا تنظيمِ الكنيسَة والسُلطة الكَنسية.
ورغم التسليم بأنَّ جُذور المسيحية تأتي من اليهودية التي تتشارك معها في الإيمان بكتاب اليهودية المقدس (التوراة)، كما تتشارك معها بالإيمان بوجودِ إلهٍ خالقٍ واحد، والإيمانُ بالمسيح ابن الله الحيّ (كلمةُ الله)، والصلاة، والقِراءة من كِتاب مقدّس، ورغم ذلك كلّه فإن الباحث يَجدُ الكثير من أوجهِ الخِلاف بينَ الديانتين، حيث نَجد أنَّ اليهودية تجاهلت كثيراً عقيدة اليوم الآخر، وأغفلتها في الكثير من نصوصها، في حين أنَّ المسيحية فصّلَت فيها كثيراً وأوردت في نصوص العهد الجديد الكثير من تفاصيلها.

وفي سياقٍ مماثل تجد أنَّ اليهودية الإصلاحية تُعلن بشكلٍ صارم بأنَّ كُل يهودي يُصَرّح بأن يسوع هو المسيحُ المُخلص فهو ليس بيهودي بعد، فَبِحَسَب التقليد اليهودي فإن السماء لم تُرسل أنبياء بعد عام 420 ق.م، فيكونُ بذلك النبي (ملاخي) هو آخر الأنبياء في اليهودية (بحسب اعتقادهم) وهو سابقٌ للمسيح بأربعةِ قرون، وعلى النقيض تماماً فذلكِ لم يَمنع بعضَ الشخصيات اليهودية مِن مَدحِ (يَسوع) والكِتابة عَنهُ بِشكلٍ إيجابيّ، مِنهم الفيلسوف التشكيكي (باروخ سبينوزا) الذي لم يَعتبرهُ نبيًا فحسب بل اعتبرهُ "صوتُ الله"، و(موسى مندلسون) وهو من مفكري حَركة التنوير اليهودية الذي اعتبر (يَسوع) مُعلماً أخلاقياً ويهودياً، فيما اعتبره الفيلسوف اليهودي (مارتن بوبر) شخصيةً ذاتَ شأنٍ عظيم.

وفي المُقابل تَجد أنَّ العَهدَ الجديد يَحوي على مَقاطع مادحة لليهود أبرَزُها: "قد مُنحوا التَبني، والمَجد، والعُهود، والتَشريع، والعِبادة، والمَواعيد، ومِنهُم كانَ الآباُء، ومِنهُم جاءَ المَسيحُ حَسَب الجَسَد"، وكذلك فإنَّ المسيحية في القرن الأول وبدايات القرن الثاني كانت تُعتبر "طائفةً يهودية"، ورغمَ ذلك فإنَّهُ منذُ أيامِ المسيح عليه السلام، وحتى عُهودٍ قريبة، كانت العِلاقة بينَ المسيحيين واليَهود متوترة، وقد اضطهد اليَهودُ المسيحيونَ في كُلِ مكان، وبِنَفسِ الدَقَة، اضطهدّ المسيحيونُ اليهود بِدءًا من القرون الوسطى المبكرة، فطُردوا من خارجِ المُدُن، وفُرِضَت عليهم مَناطق سَكن مُعينة، ومُنعوا مِن مُمارسةِ بَعضِ المِهَن، وارتُكِبًت مذابح متوالية بحقهم في القرن العشرين.
وهكذا نجد أنَّ العِلاقَة بين اليهودية والمسيحية عِلاقَة مُعقدة جداُ ومتشعبة بشكلٍ كبير، ويُمكِن القَول أنَّ مَسيرةُ التَثاقُفِ الدِينِيّ لن تَنتهي عِندَ بُعدِّ المسيحية أو اليهودية، بِقَدرِ ما تتجاوز هذين البُعدين إلى كُلِ الحضارات والثقافات، فَحَركَةُ التأثير والتأثُر سارية مسرى التاريخ الإنساني، وِفقَ سُننية مُعيّنَة تَحكُم التَصَوُرَات والعَقائِد والرُؤى المُختلفة، وَعَلينا دوماً أن نَبحَث ونُناقِش مُختلَف جَوانِب التَأثيرِ والتَأثُر مِن زَاوِيَة مَعرِفِيَّة عِلمِيَّة، ليسَ هَدَفُها الانتصار إلى وِجهَة مُسبقة، بِقدرِ ما هَدَفُها وَضعُ كُلِ التَصَوُرَات فِي إِطارِها العِلميّ البَعيدِ عَن كُلِ الحَساسِيات الدِينيَّة والثَقافِيَّة.

خولة مرتضوي- إعلامية وباحثة أكاديمية في الإعلام الجديد ومقارنة الأديان



بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  1137
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:39 مساءً الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024.