• ×

03:47 صباحًا , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


إنجيل العمل والبهاغافاد غيتا!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 خولة مرتضوي
خولة مرتضوي


إن المسائل الدينية كانت ومازالت، سبب قوة وغاية العقل والروح في الفلسفة الهندية، إذ تنظر الفلسفة الهندية إلى الإنسان على أنه كائن روحي في طبيعته، وتهتم لمصيره الروحي، كما توحِّده مع وجود روحي في جوهره، وترتبط الفلسفة بالدين ارتباطًا وثيقًا، وذلك باعتبار الدين تأملاً فلسفيًّا، لأن الدافع الرئيس في الفلسفة والدين كليهما يكمن في السلوك سلوكيا وروحيا في الحياة الأرضية وفي بلوغ خلاص الإنسان في علاقته بالكون، وهكذا تكون الفلسفة الهندية كلها من بدايتها في الفيدا إلى الوقت الحاضر قد جاهدت لتحقيق إصلاح اجتماعي روحي في البلاد، وفي هذا السبيل اتخذ الأدب الفلسفي أشكالاً عديدة، ميثولوجية وشعبية أو فنية وعلمية، وذلك لكي يرتقي بها إلى مستوى الحياة الروحية.
إن الغيتا يعد الكتاب المقدس عند الهندوس أي في الديانة الهندوسية ويسمى Bhagavad Gītā أي البهاغافاد غيتا أو البهاغافاد غيتا، وكلمة غيتا تعني المغناة أو القصيدة أو الأنشودة، وهي الحوار الذي جرى بين السيد أو الرب المبارك عند الهندوس (كريشنا) و(أرجونا) عند بداية المعركة وهو عبارة عن 700 بيت أو آية تقع في ثمانية عشر فصلاً، يعرف باسم (البهاغافاد غيتا)، وهي فصل واحد من الملحمة الهندية القديمة (المهابهاراتا) والتي تعدّ أطول ملحمة في التاريخ و تتضمن 250 ألف بيت شعري، ويعود تاريخها إلى قرابة الألف الثالث قبل الميلاد، أما كلمة بهاغافاد فتعني الإله أو الرب أو الإلهي، وترمز إلى الرب المبارك كريشنا.
وتعتبر البهاغافاد غيتا خلاصة الفلسفة الهندية بشموليتها وهنا تكمن أهميتها في هذا العصر، فهي من أكثر الكتب ترجمةً إلى العديد من لغات العالم، وذلك لأهمية مضمونه من تعاليم وإرشادات تذكّر الإنسان في إتباعها من أجل تطوير وعيه وتحسين مستوى حياته ومعيشته، بالإضافة إلى كون البهاغافاد غيتا تشرح عن كل النواحي والأساليب المختلفة لتطور الوعي فهي تشرح أيضاً عن طريقةٍ تجمَع كل هذه الأساليب كي توصلنا إلى ثبات العقل في حالة الوعي الصافي، وتكمن الأهمية أيضاً أن هذه الطريقة كانت ضائعة لعصور طويلة خلت، لذلك لم يكن من الممكن الاستفادة الكاملة من تعاليم وإرشادات كريشنا لعدم معرفة تطبيق ممارسة الطريقة التي توصلنا إلى ثبات العقل.
إن تلخيص الفلسفة الأساسية للبهاغافاد غيتا تأتي بتفسير المفاهيم أو الحقائق الخمسة: المراقب الأعلى، أو سلطة التحكم العليا، الكائنات الحية، الطبيعة، الدارما، أو الفهم الصحيح للطبيعة والكون، الوقت، وفي الأساس فإن البهاغافاد غيتا يقترح أن التنوير الحقيقي يأتي من حالة الوعي التجاوزي مع تحديد الأنا الزمنية، وبمعنى آخر إن تسلسل مراحل الحوار تفتح وبشكل تدريجي، الوعي الفردي من حالات الوعي النسبي الثلاثة: النوم - الحلم - اليقظة إلى حالات الوعي السامية، يتناول البهاغافاد غيتا الخلاف بين الحدس والحواس من النظام الكوني.
إن اليوغا مصطلح يشمل مجموعة واسعة من المعاني، فهي تعني تجميع القوى وتركيزَها والتمارين العمليّة التي تؤدّي إلى الاتصال بين الروح والألوهة، وبما أنّ نظام اليوغا يضع التأمّل في محور تعليمه وممارسته فهو يرتدي أهميّة بالغة لكلّ طرق الخلاص التي ترتكز على التأمّل والاستغراق، وتهدف طريقة اليوغا إلى تنقية روح الإنسان المشتبكة في الظروف الماديّة والنفسيّة لوجوده الأرضيّ الفرديّ والملطّخة بها، وتطهيرها بحيث تبلغ إلى حالة النقاوة الكاملة، وتصل بذلك إلى الحقيقة القصوى من ذاتها الخاصّة، ولكنّ الخلاص لا يقوم فقط على تطهير الروح الدائم والإفساح في المجال بذلك لوجود أفضل وسعادة أكبر في الحياة اللاحقة، وكذلك لا يقوم الخلاص على قيادة الروح إلى معرفة ذاتها في شكلها الصّرف المختلف عن الوجود الواقعيّ، فالخلاص الذي يتمّ السعي إليه في اليوغا يعاش في ارتياح الروح التامّ، في تأمّل عميق لا يدع أيّ إمكان فعليّ للظلمة والاضطراب.
إن اليوغا في سياق البهاغافاد غيتا يصف البصيرة، صفاء الذهن، المهارة في العمل، القدرة على جعل الذات الفردية تتثبت في الذات الكونية أو الكليّة، ويرى كريشنا، أن أصل كل المعاناة العقلية هي بسبب أن الرغبات أنانية، وأن السبيل الوحيد لإخماد الرغبات هو تسكين العقل من خلال الانضباط الذاتي وإشراكه في أعلى شكل من أشكال النشاط في آنٍ معاً، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال اليوغا عن طريق التأمل والعمل، والتفاني والمعرفة.
إن كريشنا يلخص اليوغا من خلال الثمانية عشر فصلاً في البهاغافاد غيتا، وقد ركز الباحثون على ثلاثة مسارات أو طرق هي: الولاء أي (بهاكتى يوغا) مماثلة للموكشا، نكران الذات أي (كارما يوغا)، طريق المعرفة أي( جونانا يوغا)، وبالرغم من اختلاف الطرق إلا أن هدفها واحد وهو الوصول إلى الذات الكونية (البراهما) باعتبارها الحقيقة المطلقة التي يقوم عليها العالم المادي، وتهدف اليوغا موكشا إلى الهروب من دورة التناسخ عن طريق تحقيق واقع في نهاية المطاف.
كما أن هناك ثلاث مراحل لتحقيق الذات المنصوص عليها من البهاغافاد غيتا: البراهما أي الطاقة الكونية، الباراماتما الروح العليا الكامنة في أي كائن حي، البهاغافان أي الذات الإلهية.
إن الباحث مادهوسودانا سراسفاتي قسّم فصول الغيتا الثمانية عشر إلى ثلاثة أقسام، كل قسم يتألف من ستة فصول، وتلخص في التالي: القسم الأول: يوغا كارما، والمقصود منها: أداء الإنسان لواجباته وأعماله في الحياة دون القلق من النتائج، بحسب الدارما، أي دون التفكير بالربح، واعتبار ذلك نوعاً من أداء التضحية للذات العليا، فإنكار الذات في العمل يعتبرها كريشنا الطريقة المثلى لإحقاق الحق لكن دون التفكير في دوافع العمل ونتائجه.
أما القسم الثاني: بهاكتى يوغا فوفقا لكاثرين كونيللي الأستاذة في علم اللاهوت في كلية بوسطن: إن نص غيتا يقدم خلاصة لمختلف الاحتمالات الممكنة لتحقيق التحرر من خلال (المعرفة في جونانا-العمل في كارما - والتفاني في حب الله في بهاكتي) فهذه الثلاث هي أعلى وأسهل مع التركيز عليها إلى الخلاص حيث نجد ذلك في مقدمة الفصل السابع من (غيتا-بهاكتى) والتي تتلخص كوسيلة لعبادة وتأمل ومحبة الله.
فيما يختص القسم الثالث: جونانا يوغا، وهي طريقة المعرفة والتمييز في ما يخص الفرق بين الروح الخالدة Atman والجسم، فهي تقوم بتمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، وما هو أبدي وماه و زمني، ففي الفصل الثاني يبدأ كريشنا عرضا موجزاً عن (جونانا يوغا) فيقول أن ليس هناك ما يدعو إلى رثاء أولئك الذين على وشك أن يُقتلوا في المعركة، لأنه ( كما هو مكتوب): لم أبداً يكن هناك وقت لم تكن، ولن يكون هناك وقت كانت فيه، أنها سوف تتوقف عن أن تكون، وإنه يقصد بذلك Atman) الروح الخالدة للمحاربين)، لأن أرواح المحاربين لا يمكن تدميرها، فالنار لا يمكن أن تحرقها، والماء لا يمكن أن يبللها، والرياح لا يمكن أن تجففها.
وكخلاصة للبهاغافاد غيتا، يمكننا القول أنها تصبُّ في إطار موقف الإنسان من العالم والكون، وتعدُّ جزءاً من سيرته وتطور ذهنيته ورؤيته للعالم والكون، وفي الختام هناك ستة شرور( صفات سلبية) يجب تجنبها بحسب الغيتا والتي تمنع الإنسان من تحقيق (الموكشا) أو التحرر من دورة الولادة والموت، وهي: الشهوة، الغضب، الجشع، الوهم، الفخر، الغيرة.
ويمكننا القول أن البهاغافاد غيتا هو الكتاب المقدّس لليوغا، أو الكتاب المقدّس للتوحيد القدسي، وغايته في الشرح النظري والعملي لكلّ ما نحتاج إليه لرفع وعي الإنسان إلى أعلى مستوى ممكن، إنّ أعجوبة لغتها وأسلوبها هي بأن كلّ تعبير منه يجلب التعاليم المناسب لكل مستوى من مستويات تطوّر الإنسان.
وأساساً هناك أربعة مستويات للوعي يتغيّر على كلّ منها طبيعة الممارسة: (حالة اليقظة والوعي التجاوزي والوعي الكوني ووعي الله)، وكلّ تعاليم البهاغافاد غيتا لها تطبيقها على كلّ من هذه المراحل من التطوير، لذلك يجب أن يكون كلّ تعبير مفسراً بأربعة طرق مختلفة لكي تشرح بشكل نظري وبالممارسة التقدم التصاعدي للحديث على كلّ هذه المستويات الأربعة المختلفة، ومن الواضح (بناءا على ذلك) أنّ البهاغافاد غيتا ككل يجب أن تفسّر أيضاً بأربعة طرق مختلفة لكي يمكن شرح الطريق الكامل لإدراك الله بوضوح.
وبما أن البهاغافاد غيتا لم تفسر حتى الآن بهذا الأسلوب، بقيت الرسالة الحقيقية لهذا الكتاب مخفية، ومن المهم جداً أنّ تكتب هذه التفسيرات الأربعة ليس فقط من أجل إنصاف الكتاب لكن أيضا لتقديم الطريق المباشر إلى الباحث وإعطائه الحكمة العميقة لهذه الفلسفة العملية، وتتطلّب المعرفة الشاملة لأيّ موضوع بأنّ تكون صلاحيتها مثبّتة بالمعايير المحددة في الأنظمة الستة للفلسفة الهندية: (نيايا، فايشيشيكا، سانكهيا، يوغا، كارما ميمانسا وفيدانتا) ولكي يكون التفسير كاملاً يجب أن تكون كلّ وجهة نظرية وتطبيقية وبأي مرحلة من التطور كانت قابلةً للإثبات بكلّ هذه الأنظمة الستّة بشكل تلقائي، وبالتالي تتبع تلك التثبيتات الستة لكل من التفسيرات الأربعة المذكورة أعلاه التي هي ضرورية لكشف الأهمية الكاملة للبهاغافاد غيتا.
وفي الختام وبالاستناد إلى البهاغافاد غيتا فإنه يجب اعتبار الإنسان جزءًا من وحدة حياة شاملة تضمّ الإنسان والعالم والله، ووحدة الحياة، وكلّ تغرّب يعانيه الإنسان عن العالم وعن الله يكوّن خطرًا بالنسبة إليه، ويمنعه من تأمين حياته وتنميتها وإيصالها إلى اكتمالها الأخير، والإنسان هو في سعي دائم إلى الله، فبدون الله لا يمكن البلوغ إلى حياة مكتملة.

خولة مرتضوي
كاتبة وباحثة أكاديمية في مقارنة الأيان
Khawlamortazawi@gmail.com


بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  2629
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:47 صباحًا الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024.