• ×

04:05 مساءً , الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


العلوم الاجتماعية ودنيا الأديان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الكاتبة: خولة مرتضوي
الكاتبة: خولة مرتضوي

اني مثل الكثيرين من طلا العلم الذين يقطعون هذا المجهول الكبير الذي يسمى مجال ( مقارنة الأديان ) خاصة وإني آتيه من خلفية إعلامية بحته لم تشأ يوما أن تتطفل لا من قريب ولا من بعيد على مجال الأديان، فلم يكن الموضوع يغريني حتى قررت أن أخوض غمار التجربة باحثة عن علم جديد، لأسبر أغواره وأتعرف على نفسي من خلاله من جديد، وها أنا ذا أضع قدمي الأولى في أول فصل لي في تخصص الماجستير في مقارنة الأديان، وأمضي قدما لنهل العلوم المباشرة التي تربطني بالتخصص والاستفادة من العلوم المتعلقة به، والتي تنمو على ضفافه وينمو هو كذلك على ضفافها.

إنَّ فالعلوم الاجتماعية بصفة عامة هي تلك العلوم التي تختص بدراسة أصل وتاريخ الإنسان، والتنظيمات والتطورات التي تطرأ على المجتمع البشري، ويمكننا القول أن هذه العلوم تدرس الإنسان وعلاقاته بالآخرين بصفة خاصة، وحتما فإن هذه الدراسات الاجتماعية المنهجية المتنوعة تساعد دارسي مقارنة الأديان وتنمي قدرتهم على النقد والتحليل والمقارنة ووزن الأدلة وإصدار واتخاذ القرارات والأحكام الايجابية بعيدا عن التعصب والتحيز الديني، وتساعدهم كذلك على فهم فكرة التفاهم الدولي وتنمية النظرة العالمية التي تقوي روح التضامن مع الآخر، كما أن هذه العلوم تزيد من اهتمام المتعلمين بكثير من المشكلات الدينية الماضية والحاضرة وتساعدهم على الاتجاه نحو المشاركة الواعية فيما يواجه المجتمع (دينيا) من مشكلات وتحديات.

انه من خلال قراءتي لكتاب ( الدين ) للدكتور محمد عبدالله دراز والذي يناقش عدد من المباحث التقديمية لدارسي مقارنة الأديان، وجدت أن كل الحضارات الانسانية في التاريخ كان لها انتماءاتها الدينية والعقائدية، واني أجد أنه لولا جهود الباحثين في العلوم الاجتماعية المتنوعة لما تبينت معالم تلك الحضارات أو حتى تلك التجمعات الانسانية العريقة ولا خلقت عند متخصصي الأديان تصورا كاملا شاملا لمظاهر الحياة الانسانية على اختلاف عناصرها في تلك الحقب السالفة ولا بينت لنا دواعي دخول المجموعات الانسانية في دين معين دون غيره على سبيل المثال.

فهذه الدراسات الاجتماعية تفيد كل الافادة في بيان حال أهل الأديان وفكرتهم الدينية، فمثلا لو عرّجنا على عهد الفراعنة نكتشف أن الجهود البحثية الاجتماعية كشفت لنا: أنهم قد اتسعت صدورهم لمختلف العقائد على قدر سعة فتوحهم، فتركوا لكل اقليم الحرية في تقديس ما يشاء أهله، كما وامتدت روح التسامح هذه الى مدارسهم الفلسفية والدينية على تنوعها، رغم انه شذ عن ذلك القليل، الا أن السنة التي غلبت عند ملوكهم وكهانهم تمثلت في تأليف قلوب رعاياهم وأتباعهم بتمكينهم من ملئ المعابد بالأسماء والرموز المختلفة التي يعتنقونها، أما عند الإغريق ( اليونان ) فقد كشفت لنا هذه الجهود العلمية الاجتماعية أن قدمائهم وعلمائهم وفلاسفتهم قد اعترفوا بتخرجهم وتلمذتهم في مدرسة الحضارات الشرقية بشكل عام والحضارة المصرية بشكل خاص حيث اقتبسوا وأفادوا منها كثيرا، وهكذا دواليك فان هذه العلوم الاجتماعية لها بالغ الأثر في تبيان اختلاف البشر عبر الأزمنة والعصور والفترات فيما بينها في: مللهم ونحلهم، وتبين كذلك تعارف أهل الأديان فيما بينهم وتعايشهم أو استنكارهم عقائد بعضهم، بالإضافة الى تبيان مظاهر تدين هذه الحضارات البشرية ونسكها وطقوسها المتبعة.

ولاشك ان هناك علاقة وطيدة بين العلوم الاجتماعية ودراسة الدين، فمن خلال بحثي عبر عدد من المواقع الالكترونية الرصينة وجدت أن بعضا من علماء النفس ذهبوا إلى القول بأن الدين حالة نفسية وأدعوا ان المنهج التاريخي لدراسة الدين ليس كاملا ولابد من اكماله بالأبحاث النفسية، وهنا ظهرت العلاقة بين علم النفس والدين، كما أنه ذهب البعض الآخر من علماء الاجتماع إلى القول بأن الدين هو ظاهرة اجتماعية في المقام الأول فالمجتمع من وجهة نظرهم عندما يتعرض لبعض الأزمات فإنه يحاول جاهدا الخروج منها ويبتكر لذلك الكثير من الحلول، وعندما تنجح طريقة معينة للخروج من الأزمة فإن المجتمع يقدس هذه الطريقة وتقدسها الأجيال المتعاقبة بعد ذلك، ومن هنا كذلك ظهرت العلاقة بين علم الاجتماع والدين.

وعلى صعيد آخر فان علاقة الفلسفة بالدين ( والذي يعد كذلك أحد أفرع العلوم الاجتماعية ) تبين أن معظم الفلسفات العقلانية تقف دائما ضد الدين بسبب تعارضه مع العقل، وقد كشف هذا الاختلال علماء ومفكرون كثر في الغرب والشرق إلا أن الدول العربية دائما كانت متعصبة لقبول تلك الأفكار الجديدة. وبحسب قراءتي مؤخرا لكتاب الدين للدكتور محمد عبدالله دراز وجدت أن علماء الغرب فرقوا بين الدين والفلسفة حيث رأوا أن مشاكل الفلسفة يناط حلها بالأفذاذ من ذوي العقول الراجحة، بينما مسائل الدين- في زعمهم- تحلها الشعوب والجماهير، كما أنهم رأوا أن الدين يرثه الشعب عن أسلافه والفلسفة يستمدها الفيلسوف من عقله ومن ملاحظاته الشخصية، بينما قام عدد آخر من العلماء بوصف الأديان على أنها فلسفات أخلاقية فردية وبنوا آرائهم ونظرياتهم حول ذلك ومازالوا يفعلون، الأمر الذي يبين علاقة الفلسفة بمجال الدين حتى عصرنا الحالي!

ونجد تأثير دراسة العلوم الاجتماعية واتجاهاتها متجليا في التفسيرات التي قدمها علماء الأديان في نشأة العقيدة الإلهية عند البشرية، على سبيل المثال، فكان منهم من استمد إيمانه من تأملاته في مشاهد الطبيعة، وآخر كانت عقيدته وليدة تجاربه في عالم الأرواح، وثالث استيقظ وعيه الديني من ملاحظته النفسية في حياته العادية، ورابع من تحليله لبعض المعاني العقلية، وخامس استنتاجا من القوانين الأخلاقية وهكذا دواليك!

كما أننا نجد أن علم (الفينومينولوجيا) -والذي يعد هو الآخر من أفرع العلوم الاجتماعية-، له علاقة هو الآخر بالدين ودراسته، فهو علم الظاهرات الذي يقوم بتحليل وصفيّ للذات الدينيّة وللموضوع الدينيّ الذي يقابلها له، أي للقصد الدينيّ وللمقصود الدينيّ، كما يقوم بتحليل وصفيّ للنظم الدينيّة بجميع مقوّماتها العقائديّة والعباديّة والأخلاقيّة والمؤسّسيّة، وقد ذهب أتباع هذا العلم إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار بما قاله السابقون من علماء النفس والاجتماع والمؤرخون، غير أنهم قالوا بأن المنهج الذي أتبعه هؤلاء كان منهجا خاطئا ولابد من اتباع منهج جديد يقوم على عدة مبادئ هي: الإحاطة بجميع الظواهر وعدم ترك أي جانب منها، التجرد من الافتراضات الدينية والفلسفية التي نؤمن بها، أنه على الباحث ان يتعاطف مع المواد المدروسة والاستعداد للتأثر بها، على اعتبار أنها ليست مواد ميتة بل هي حية تؤثر وتتأثر بالباحث وبقدر تجاوبها مع الباحث تكشف عن نفسها، كما أنه لابد من تصنيف الظواهر الدينية وترتيبها للخروج بنتائج تكون منطقية ومقبولة عقلا، بالإضافة الى أنه لا حكم لعالم الأديان على الأديان أو الظواهر لأن غاية العلم ليست تحكيمية بل تفهمية، وقد قام الكثير من الكهنة ورجال الدين والفقهاء اللاعقلانيين بالتعليق على هذا المنهج بقولهم أن (الفينومينولوجيا) تحتاج إلى ما أسموه (ما وراء الدين) أي ضرورة الإيمان بالغيبيات، فالدين هو فطرة الله التي فطر عليها الناس جميعا وهو عام لدى الناس ولا يتطور ولا يرقى بل موجود على نفس المستوى لدى البشر.

وعلى صعيد مقارب ظهر مفهوم (سوسيولوجيا الأديان) وهي الدراسة الاجتماعية للأديان، والتي ترد الظاهرة الدينية إلى أسسها الاجتماعية. فالدين ظاهرة اجتماعية، والمؤسسات الدينية جزء من المجتمع، ويهدف هذا العلم الاجتماعي الجديد إلى البحث في التأثير الذي يحدثه الدين في المجتمع، فسوسيولوجيا الأديان تبحث في الشروط الاجتماعية لانتشار الأديان في المجتمعات المختلفة. كما تدرس الجماعة الدينية ذاتها باعتبارها جزءًا من المجتمع: كيفية تكوُّنها، والآليات التي تحكم تأسيسها وتطورها، وأنماط الفعل والسلوك التي تدعمها أو ترفضها.

أما مجال (علم الاجتماع الديني) فهو بدوره يقوم بدراسة ظواهر الحياة الدينية في جميع أشكالها، وذلك باستخدام التاريخ المقارن للأديان، وعلم الأجناس، وطرق الإحصاء الاجتماعي كأدوات لهذه الدراسة، ويعتقد بعض الاجتماعيين أنه إذا كان الشرط الأول في الحديث عن الفن أو الشعر هو أن يتذوق المرء نفسه الشعر والفن، فالشرط الأول الذي يجب أن يتوفر لدى الباحث الذي يريد فهم المؤمن والمجتمعات المؤمنة، هو إن يكون قد ساهم ، هو نفسه، في فترة من حياته، في اعتناق عقيدة، وأن تكون مساهمته فيها وجدانية عاطفية على الأقل، وهنالك آراء أخرى في طرق البحث التي ينبغي استخدامها، والواقع أن علماء الاجتماع لا زالوا يختلفون في تحديد موضوعات علم الاجتماع الديني وطريقة تناولها.

إن كل هذه العلوم والتخصصات الاجتماعية المتفرعة من مظلة العلوم الاجتماعية تبين لنا علاقتها الوطيدة في محاصرة الظاهرة الدينية والبحث والتقصي عنها في شتى المجالات التي تعين دارس مقارنة الأديان على فهمه الدقيق والواضح والمبني على أسس علمية ومنهجية لظهور وصعود أي ظاهرة دينية في الكون، ومدى اقبال واجام الناس عليها، وغيرها من الأمور التي تهم المتخصص في هذا المجال، وإني أعتقد أن كافة المجالات البحثية (العلمية والأدبية) يمكنها أن تكون على اتصال وثيق من قريب أو حتى من بعيد بمجال مقارنة الأديان، وعلى المتخصص في هذا المجال أن يكون ذا اطلاع موسوعي على كل العلوم ذات العلاقة حتى يفهم الظاهرة الدينية بشكلها الصحيح دون أن يحكم عليها بشكل متسرع فيقدح في انصافه وموضوعيته.

خولة مرتضوي
كاتبة وباحثة أكاديمية في مقارنة الأديان
khawlamortazawi@gmail.com


بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  1779
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:05 مساءً الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024.