• ×

11:52 مساءً , الخميس 16 شوال 1445 / 25 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


الين واليانغ - بين الفلسفة والبُعد العقدي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 خولة مرتضوي
خولة مرتضوي

إنَّ مفهوم الذكر والأنثى تجده في القرآن الكريم، بأن الله خلق من كل شيء زوجين اثنين ولا يوجد شيء على هذه الأرض مهما يكن مفردا، فالواحد فقط هو الله سبحانه وتعالى: "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
إن مبدأ الــ" ين " والـــ " يانغ " هو بدون شك النظرية الأساسية الأكثر أهمية التي تشكل جوهر الطب الكلي، وقد لوحظ أن الطبيعة هي مجموعة من الأزواج المتضادة، وعلى سبيل المثال لا معنى لفكرة "الليل" بدون فكرة "النهار"؛ ولا معنى لكلمة "فوق" بدون كلمة "تحت" وما إلى هنالك، وعليه فإن مبدأ " الين " و "اليانغ" يمثل التفاعلات الديناميكية التي تعزز أوجه هذا الكون، وتعزز الرموز الكلية هذه الفكرة ويترجم رمز "الين" حرفيا إلى "الجانب المظلم من الجبل" ويمثل صفات: كالبرد، والسكون، والسلبية، والظلام، والتضمين، والاحتمال، وما إلى ذلك، أما رمز "اليانغ" فيترجم حرفيا إلى "الجانب المشرق من الجبل" ويمثل صفات كالدفء والحيوية، والنور، والخارج، والتعبير، وما إلى ذلك، وكلمة ين ويانغ هي بالأصل كلمة صينية.
إنّ كل ما نراه جامدا كان أم سائلا يتألف ويتكون من مجموعة ذرات إلكترونية تتحرك وتتوازن وتتماسك دائريا حول وسطها أي حول النواة، حيث تدور الأرض على ذاتها، ومع الأقمار والكواكب حول الشمس مُشكلةً النظام الشمسي مع عدد هائل من النجوم الذي يشكل مجرة، والمجرات التي لا تعد ولا تحصى تتحرك ضمن خطوط وتباعدات وتوازنات مشكلةً الكون الفسيح الذي لا حدود ولا نهاية لاستمراريته السرية والإلهية.
إنّ لهذه الحركة المتوازنة والدائمة نظامٌ دقيق ومنسق فالأضداد تتمغنط وتتوازن، تنافرا وتجاذبا في اتجاهات سلبية وإيجابية، مشكلةً التوازن الذري والكوني الذي يحير العقل البشري فينحني بإجلال أمام عظمة بارئ الأكوان، فالأضداد تشد بعضها بعضا وتتجاذب لتكون التوازن، فكل اتجاه يتوازن مع ضده وكل شكل يتغير إلى عكسه: الصيف يتغير إلى شتاء والنهار إلى ليل والعمل إلى الراحة، والشباب يتغير إلى الشيخوخة والفقر إلى غنى والبغض إلى حب، والمادة تتغير إلى طاقة، فكل هذه التغيرات والتطورات تحصل باستمرار في الطبيعة والكون، والاتجاهان اللذان يتحكمان بذلك يعرفان بـ ( ين ) و ( يانغ ).
ال ( يانغ ) هو القوة التوازنية الصادرة عن الشمس والنجوم والمجرات فتضغط على الكرة الأرضية التي بالمواجهة وبالمقابل تبث من ذاتها قوة ( ين ) أي القوة الأرضية الانعتاقية والانفتاحية، والتداخل المتوازن بين هاتين القوتين يشكل الطاقة التي تجعل كوكب الأرض يدور حول الشمس وحول ذاته، ومنها تتولد كل المظاهر والتفاعلات على هذا الكوكب، حيث يتميز الـ ( ين ) بالانفتاح والخفة، والحركة البطيئة والبرودة، أما الـ (يانغ) يمثل الانقباض، الثقل، الحركة السريعة والحرارة، وبيولوجيا (الين) و (اليانغ) يتجاذبان ويتبادلان المواقع باستمرار فالـ (ين) يمثل القوة الأنثى والـ (يانغ) يمثل القوة الذكر.
وإذا كان سر الذرة اللامتناهية في الصغر، وسر المجرات الكونية اللامتناهية في الكبر، يشكلان المعادلة العلمية الثابتة، فإن الـ ( ين ) والـ (يانغ ) يؤكدان عظمة جهلنا بأسرار هذا الكون وعظمة هذا القرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى"، فكل المظاهر الطبيعية والمشاعر والأحاسيس ( كل آيات الأنفس والآفاق ) تؤكد وتتجلى فيها هذه الحقيقة: اليابسة والبحر، الرجل والمرأة، الانقباض والارتخاء في القلب والرئتين، النور والظلام في الليل والنهار وفي المعرفة والجهل، الجمال والقبح في السعادة والتعاسة، الخير والشر في الملائكة والشياطين، الحياة والموت في ذوات الروح وفي المادة.
إن (الين) و (اليانغ) ترتبط أساساً بتفسير نشأة الكون؛ ثم تم دمجها في الفلسفة الطاوية، حيث يزعمون أن الطاو كان هو الأبدي الأول، ثم تولد منه (الين) و (اليانغ)، ولقد فسّر بعض الفلاسفة الشارحين لكتب (لاوتزي) أن هذا الأول الأبدي هو الطاقة الكونية أو ما يطلق عليه (تشي)، وبأن الـ (طاو) عديم الشكل ينتج جميع الأشكال التي في الوجود من خلال تفاعل المبدأين المتناقضين الـ (ين) والـ (يانغ)، وكل هذه الكائنات ليست منفصلة عن موجدها بل هي وهو شيء واحد ؛ وهذا بلا شك يُفسر كلام المروجين لهذه التطبيقات العلاجية في دوراتهم أن الطاقة الكونية تسري في جميع الموجودات سواء كانت حية أو غير حية؛ وأننا كبشر أو كل الكائنات الحية نتأثر بها ونؤثر فيها؛ كما أننا نستمدها من الكون و نرسلها إلى الكون و إلى كل الموجودات من حولنا بما فيها الجمادات.
عودة إلي فلسفة ( الينغ و اليانج ) فمن أجل تقريب هذه الفلسفة إلى أذهان العوام اتخذت الأسطورة صورة أكثر بدائية، فظهر الاعتقاد بما يسمى "البيضة الكونية" (cosmic egg) لقد صُوِّرت البيضة الكونية على أنها مبدأ الوجود، وانقسمت هذه البيضة إلى نصفين، فتكونت الأرض من نصفها السفلي وهو الجزء الثقيل المظلم أو الـ ( ين ) ، وتكونت السماء من نصفها العلوي وهو الجزء الخفيف المضيء أو الـ ( يانغ ) . وكان بين هذين النصفين الإنسان الكوني الأول : پان كو Pa'n Ku)) الذي فصل نصفي البيضة بجسده، ولما مات پان كو تكونت الدنيا من أجزاء جسمه المتناثرة.
ولا يخفى على متأملٍ في ما سبق إيراده، أن فلسفة الـ (ين يانغ) ذات تعلق واضح بالاعتقاد، وهو ما لا يمكن تجاهله أو إغفاله؛ فهي صورة واضحة من صور الإلحاد وإنكار الإله، فإن بداية الوجود - بناء على هذه الفلسفة - ناتج عن العدم، ومتولد عن كتلة غامضة دون وعي منها أو إرادة في نظرية تشبه - كثيرا - نظرية الفيض عند فلاسفة اليونان ومن تبعهم من فلاسفة العرب، ولا نجد في شيء مما ذكر حول الـ ( ين يانغ ) في المصادر القديمة ولا في الدراسات العلمية الحديثة للفلسفة الشرقية أي ذكر لإله منفصل عن الكون خالق بعلم وإرادة، بل أقصى ما يذكر في هذا الصدد إله لا شخصي متحد بالمخلوقات أوحال فيها.
و بذلك يتضح أن أصل فلسفة (الينغ و اليانج) التي يتعامل معها جُل المعالجين بالطاقة سواء المسلمين منها أو غير المسلمين قائمة علي مبدأ عقدي منحرف في محاولة بائسة للإجابة علي الأسئلة الأساسية (المبدأ- الغاية - المصير) وهو تصور منكر للإله الواحد الخالق المتصف بالقدرة والإرادة، ويدل علي ذلك ما ورد في كتاب (سوون) أو الأسئلة البسيطة ما يشير إلى هذا المفهوم : "الـ ( ين يانغ ) هو طريق السماء والأرض، المبدئان الأساسيان اللذان يحكمان آلاف الكائنات، هما أم وأب كل التغيرات والتحولات، هما أصل وبداية التوليد والإبادة، هما القصر الذي به تألق الروح، الـ ( ين ) والـ ( يانغ) هما مبدأ آلاف الكائنات".
وورد أيضاً في رسائل الإمبراطور الأصفر :" جميع الأشياء تحتوي على الـ ( ين ) والـ ( يانغ )، وعندما تظهر الأشياء في الوجود من خلال تفاعل الـ (ين) والـ (يانغ) تبدأ التحولات بالحصول".
إن الـ (ين) والـ (يانغ) في الفلسفة الصينية صفتان نسبيتان ليس لهما حقيقة في الخارج، وهما تجليات للمبدأ الأول الذي يُعبَّر عنه بالـ (طايجي) وهو ليس إلا تعبيرا عنهما في صورتها المتحدة ، وعليه فهو مرادف للـ (الطاو) ، والطاقة الحيوية ( تشي)، وإن هذا التصور للعالم - لا شك - نابع من الاعتقاد بوحدة الوجود ، حيث تعد جميع الموجودات مظاهر وتجليات للحقيقة الكلية والمبدأ الفريد، فالـ ( طايجي ) هو المُنتِج للكون ، والكون ليس إلا جزءا من الـ ( طايجي ) المتمثل بنشاطي الـ ( ين يانغ ) ؛ لذا فهي تهدف للاتحاد - أو إدراك الاتحاد - بالمطلق الكلي أو الحقيقة الكلية ، وذوبان الفرد في الكل، وخلاصة الأمر أن الـ ( ين ) و الـ ( يانغ ) ليسا إلا وجهان لعملة واحدة ، في عقيدة وحدة وجود.
و بهذا البيان يتضح زيف وتضليل وسطحية من يروج لفلسفة (الينغ ) و ( اليانج ) علي أنها فلسفة الثنائيات ويقفون عند هذا الحد، بل و الأدهى والأمر أن يستدلون على ذلك بآيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى في آية الرعد "وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ" أو آية الذاريات "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" فشتان بين هذه الفلسفة الإلحادية وبين كلام رب البرية؛ فما يتم – أسلمته – من قبل الممارسين المسلمين في محاولة بائسة منهم لإضفاء شرعية على هذه المعتقدات الضالة الملحدة التي يروجون لها؛ فيغفلون أو يتغافلون عن سرد هذه الفلسفات في دوراتهم لعوام المسلمين، ما هو إلا تلبيس واضح يصعب معه افتراض حسن النية والجهل لا سيما وقد أقيمت على كبرائهم الحجة.
إن فلسفة ( الينغ ) و (اليانج) أثرت في كل شيء عند معتنقيها؛ بل لا نبالغ إذا أكدنا أنهما داخلان في كل شيء سواء كان مادياً ملموساً أو حسياً معنوياً؛ و لقد نال الجانب الطبي نصيبه أيضاً من هذه التقسيمات حتى أمكن اختزال الطب الصيني برمته في هذه الفلسفة المبدئية، بل إن القول بأنه لا وجود للطب الصيني من دونها لا يعد مبالغة بعيدة عن الواقع.
لقد تم تحليل عمليات الأعضاء الوظيفية والأعراض المرضية جميعها على ضوء فلسفة الـ ( ين يانغ )، فاعتُبر تمتع الإنسان بالعافية والصحة الجيدة دليلاً على توازن النشاطين المتناقضين في جسده، أما عند وجود أي خلل في هذا التوازن فإن ذلك يؤدي إلى اختلال الوظائف العضوية تبعاً وظهور الأعراض المرضية، ولذلك كان الهدف الأساسي في الطب الصيني هو استعادة التوازن الطبيعي للـ ( ين يانغ )، وإن استعادة التوازن الطاقي في الجسم البشري ليس بالسطحية التي قد يظهر بها، فإن المعنى الحقيقي لهذا التوازن هو الانسجام مع الكون ومن ثم الاتحاد به، وعندما يختل التوازن يكون هناك انفصال ظاهري عن الـ (طاو) الكوني ، ومن أجل استعادة الاتصال كان لا بد من إعادة توازن الـ (ين يانغ)، ولذلك كانت التطبيقات التي تعتمد على فلسفة الـ ( ين يانغ ) تجعل موازنتها وسيلة لتحقيق الاتحاد بالمطلق.


بواسطة : خولة مرتضوي
 0  0  4477
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:52 مساءً الخميس 16 شوال 1445 / 25 أبريل 2024.