• ×

09:51 صباحًا , السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


(عاصوف الخليج) ناصر القصبي (العاصف بالرخويات)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 إبراهيم بن الحسن النعمي
إبراهيم بن الحسن النعمي

في عام ١٩٦١م كانت رياضُ الجمال على موعدٍ مع ولادة ( عاصوف ) الكوميديا الخليجية ، والمايسترو الأمجد ناصر القصبي ، والذي أنجبهُ رحم الساحة الفنية حيثُ
يولدالعظماء على ردهة وخشبة أبو الفنون ( المسرح ) والذي مِنْهُ يتفتق أجلاءُ الفن جُرأةً وحضوراً منذ أن أسسهُ الإغريق .

ناصر القصبي والذي مضى من عمره خمسة عقود ، بلورتهُ تلك السنون العاجة بالتحولات ، على أن يتعايش فنياً مع كافة التبدلات المجتمعية في المملكة العربية السعودية خصوصاً والخليج العربي عموماً ، حيثُ هرول ذلك الفنان الفريد في بداياته كإبن الحي العرِم العاتِ البسيط ، وما إن بدأ مرحلة الدراسة المتوسطة إلا وعلت نبرة مشاكساتهُ لمن حوله لدرجة أن هناك من كان يجبرهُ على محاكاة بعض الشخصيات العامة ويصنعوا لَهُ مسرحاً تقليدياً ليُقدِم بعضاً من وصلاته الفُكاهية التي كانت تُنبئ عن موهبةٍ صارخة في ظل مقومات مادية ونصية وبيئية متواضعة .

وبما أن الفنان هو إبن بيئته ، فقد كان قدرُ هذا المبدع النحيل الجسد ، الجسور العَضُد ، أن يسير حافي القدمين في حقل الأشواك تارةً ، وفي حقل الألغام تِئَرْ .

ففي الثمانينيّات الميلادية كانت بروز حركة مانُعتَ في حينه بالصحوة ، وإرتدادت حركة ( جهيمان ) والتي كانت في تضادٍ مضطرد وتعاكسٍ بالغ مع كافة الفنون والجماليات والوطنيات .

وفي ذات السياق من الحُقبةِ الزمنية نفسُها كانت صفقات الجمهور تدوي بمدرجات المسرح خلال العرض الأول لمسرحية ( التائه ) والتي وقف فيها القصبي منتصباً ( كخوفو ) لتحقيق الحلم الذي يراوده منذ ريعان الفتوة ، وذلك بالشموخ الفني على عتبة أول مسرحٍ رسمي ألا وهو مسرح كلية الزراعة والتي لم يجني منها ناصر سوى فن التقليم ، وذلك بُغية تقليم أجنحة أعداء الوطن ، والإقصائيين ، والمتطرفين قبل تقليم الشُجيرات !

ومنذ أن وجد ناصر نفسهُ في ( التائه ) قررَ لذاتهِ أن لا يركنَ إلى الخانة الرمادية الضبابية ، بل إن عليه أن يرتمي بين حاجبي الإعصار الذي يبغي إقتلاع الفنان الصاعد من جذوره كفنانين من أترابهِ كُثُر تم وأدُهم وهم أحياء يرنون .

ولأن ناصر كانت له أيديولوجيته المُبهرةِ والمتباينة الحضور عمن سبق وأن حجمهم التطرف أو بالأحرى لفظهم خارج كواليس السيناريو الفني ، فكان القصبي نِداً عزيزاً وخصماً شرساً يمتُص الضربات بمرونةٍ بالغة ، ويحورها إلى وقود عمل ، وترمومتر فلاح لقياس تميز أعماله الفنية ، ساندهُ في ذلك وسطية حكومة هذه البلاد الأبية وبُعْد النظر الثاقب الذي حباها الله ، والشريحة العريضة والمعتدلة من أبناء سُعودية العز والسُعود .

وبالفعل كان المُتلقي الخليجي هو المستفيد من هذه الخصومة الغير متكافئة ( العدد ) حيث تميل للطوفان ومنهم في ركبهم ممن يؤثر كهوف تورا بورا وثغور قندهار على قبلة الإسلام ( المملكة العربية السعودية ) ، والغير متكافئة ( الحُجة ) والوعي حيث تميل الكفة لصالح ناصر الذي كان منافحاً عن وطنه وفطرة مجتمعه وبمعيته بعض المتعاطفين الُملجَمين الأفواه خشية السياط الوعظية لشريحة مهيمنةٍ منبرياً ، لذا فإن ناصر ظل فريداً أمام مخالب تلك الموجات العاتية والشرسة ، وكيف سيكون الحال لولا عظمَة ناصر الإنسانية ورباطة جأشه المعنوية أن يصطَبِرَ على كلِ ذلك المُعتَرَك الضروس من أجل رسالته الوطنية والفنية .

وعلى مدى رُبع قَرَن من الزمان إستمر ناصر يُقدم دور البطل في الملحمة الفكرية ، قبل أن يستأثر بالبطولة الفنية المطلقة والتي إرتمت في أحضانه عُجباً به ، وكيف لغير ناصر أن يتأتى له مثل ذلك الظفر والغلبه لولا أنهُ الفنان الفطري الغير متملق ، الوطني الحس ، الإنساني الجُهد .

رضع ناصر من أثداء تضاريس بلاده لبن مُناخاتُها وثقافاتُها المتسامحة التي كرستها حكومة هذه البلاد الطاهرة في طقوس المذهب السلفي العادل المُعتدل ، ونقاء أرواح أهلُ هذه البلاد الأخيار ، فشبرَ ناصر أركان الوطن وجالس الأهالي فإستطعم اللهجات وتأمل الطبيعة المتباينة ومارس العادات المختلفة ، وتلمس المعضلات التنموية ، مما أسهم في خضرمة فكرِه ، فأعانهُ جُل ذلك على أن يكون ناصر البُسطاء ، وناصر الدراويش ، وناصر الفرد ، وناصر الْكُل ، فإمتزج في شخصيتة الثقافية ، طائيةُ الشمال ، وطيبةُ الجنوب ، وبساطةُ الحجاز ، وسعة صدر الشرق ، وعمادةُ نجد ، فكان ناصر الإنسانُ الفنان .

مما بلور لنا كاريزما شخصيةٍ فذة قادرة على التأثير حيثُ حاز القصبي على المرتبة ٤٣ في أفضلية الشخصيات المؤثرة في العالم العربي حسب تصنيف مجلة نيوز ويك ، فكان لَهُ عظيم الأثر في التبدلات الفكرية الحادة لدى العامة وتقديم الحس الوطني قُبيل الإستشعار الأُممي الذي حاول تكريسهُ الفصيلُ الُمتجهم ، مما نتج عن ذلك أن لفَظَ المجتمع دعاة الفُرقة والشرذمة ، واللذين كانوا يفخخون شباب الوطن فكراً وجسداً ويشحنونهم إلى بؤر الصراع ، بينما أبنائهم يترجلون من مقاعد درجة رجال الأعمال إلى جامعات هارفارد وكامبريدج .

فكان ناصر عراب الجُرأة وأحد أهم أسباب الَمجّ الشعبوي لذلك الفصيل التعبوي ، بأن جردهم وكشف عن سوأتهم أمام الملأ ، عبر الشاشات ، والتي كان أهمُها وأقواها تأثيراً في إيصال رسالة ناصر المعتدلة إلى المتلقي بُعيد القناة السعودية الأولى هي قناة إم بي سي التي طالما حاربوها سالفاً وتهافتوا للمثول أمام عدساتها حاضراً وذلك في مشهدٍ إنتهازيٍ فج .

لذا فإنني أكاد أجزم أنهُ لم يسبق وأن تعرضت شخصيةٌ عامة للنيل منها كما تعرض أسطورة الكوميديا ناصر القصبي ، حيث بلغت إحدى الإساءات أن أُستُقصِد الدعاء عليه في حضوره بمعية والده رحمه الله ، وذلك من على منبر الجامع الذي كان يؤدي فيه صلاة الجمعة .

بل لم تنقضي الإساءة عند الصورة السالفة بل طالت حتى عقيلتهُ ( حبة الهال ) الدكتورة بدرية البشر ، والتي كان مهرُ صداقها أسمى مهرٌ في تاريخ زيجة الفتيات ( نص مسرحي يبدأُ بحرف {البيم} ) ، ولاضير في ذلك لأنهُ كان عبارةٌ عن إقترآنٍ جمالي أدبي ( المسرحُ الناصري بالقلم البدري ) ، فقد طال بدرية ماطالها من هذه الملحمة إلا أنها كانت مدركةٌ للدور الملقى على عاتقها كزوجة فنان في خوذة فارسٍ مقاتلٍ مغوار ، وبالتالي فإن ناصر أيضاً هو خيرُ مثمنٍ لأناةِ بدرية ولا أدل من ذلك سوى إنذراف دموعه جبراً حينما تحضر بدرية ولو ذِكراً فقط .

فلله درُّك أبا راكان أَيُّهَا الهرم الفني الأشم ، من سِواك إصطبر مثل هذه السلوكيات المُشينة من أجل وطنهِ ومجتمعه ؟

فمامن شك في أن فصيل الظلاميين ( الأُمَميين ) أيقنوا بعد حُقبةٍ ليست بالقصيرة أن مجرد محاولة إيلام ناصر ، كان ثمُنها هو ( العُصُوف ) بهم إلى هامش حيّز الحضور تأثيراً .

وما أكثرُ تحييراً مما سلف ، سوى المباغتة الشرسة التي يتعرض لها مسلسل ( العاصوف ) بطولة البطل ( عاصوف الخليج ) ناصر القصبي ، والمزمع عرضهُ الشهر المُقبل ، وهُنا الهجوم بأثرٍ ( إستباقي ) ، مع إدعاء الغيبيات وأن القصبي حتماً سوف يُسيئ لثوابتنا الدينية ، وذلك من غير أن تكتحلُ أجفانهم برؤية مشهدٍ واحد من المسلسل ، على الشاشة ( الأكمل والأروع والأمثل ) إم بي سي ، ( فمالكم كيف تحكمون ) .

ولأن لِكُلِ حدثٍ ختام ، فإن أجفاننا ستفتقدُ ناصر في ساعةٍ ما ، إما لإعتزالٍ أو غيره ، فهل ستشهد الساحة الخليجية قاطبةً ، أحد رجال الأعمال يؤدي النذرٍ اليسير من الدورِ المنوط به تجاه مجتمعه وذلك بتأسيس معهد فنون بإسم ( عاصوف الخليج ) والذي يُبهجني أن يكون قلمي أول من إختط هذا اللقب ترميزاً لناصر القصبي ، وذلك لتبني تلك المواهب التي بقوةٍ تحضُر ثم ماتلبث أن تندثر ، لإنعدام مرحلة الصقل الفني والتي لاتتأتى إلا عبر المعاهد الفنية .

فعِرفانٌ لك أَيُّهَا الفنان الحُر ملءُ الفنون وشدو المعازف ، وإمتنانٌ إليك يآ ريشةً تتثنى بأناملِ ( أحمد المغلوث ) في لوحة السعف مؤطرة في معرض ( السربون ) ، فإحسانٌ إليك ياشطراً دونهُ ( زمخشري ) في معازيف الأشجان وأنشدهُ ( ماجد الشبل ) في الميزان .

فإفضالٌ إليك يآ ناصر من أعماق الوجدان ، تحيةٌ يشدوا بها جبل تهللٍ من أبها ، ليُرفرف بها سديمُ النماص شمالاً ، ثم تُسقى من عين الأحساء ، لتتحلا بسُكري القصيم ، وتُطيبُ عبقاً بماء ورد طائفي ، لتتبختر بإكليل زهرٍ تبوكي ، ثم ما تلبث أن ترتمي عالقةً بعنقك متشبثةً منكبيك .


 0  0  6508
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:51 صباحًا السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024.