بقلم / العنود الفالح


كنت أقرأ في قصة ماشطة بنت فرعون، فانتابتني كثير من التساؤلات عن سر ثبات ماشطة بنت فرعون، التي أدركت مؤخرا إجابتها، وأصبح لزاما علينا أن نجدد علاقتنا بالله، وأن نرى قوة إيماننا بالله الذي متى ما كنا معتصمين به فلن نخذل؛ لأنه من يؤمن بالله سيهديه ويشرح صدره للإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) وإليكم قصة ماشطة بنت فرعون التي تجلى فيهاالأيمان في أبلغ صورة امرأة كانت تعيش في قصر فرعون، كانت امرأة صالحة تعيش مع زوجها في ظل ملك فرعون، وكانت مربية لبنات فرعون، منّ الله عليها وعلى زوجها بالإيمان، فعلم فرعون بإيمان زوجها فقتله، فصبرت المرأة واحتسبت، ثم لم تزل تخدم وتمشط بنات فرعون، لتنفق على أولادها الخمسة، فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوما، إذ وقع المشط من يديها فقالت: "بسم الله" فقالت ابنة فرعون: الله أبي.. فصاحت الماشطة بابنة فرعون وقالت: كلا، بل الله ربي وربك ورب أبيك.. فتعجبت البنت، ثم أخبرت أباها فرعون بذلك، فعجب أن يوجد في القصر من يعبد غيره، فدعا بها وقال لها: من ربك؟
قالت:ربي الله، فغضب عند ذلك فرعون، وأمرها بالرجوع عن دينها، وحبسها وضربها، لكنها ثبتت على الدين، فأمر فرعون بقدر من نحاس ثم ملئت بالزيت، ثم أحمي حتى غلى، وأوقفها أمام القدر، فعلم فرعون أن أحب الناس إليها أولادها الخمسة، فأحضر أبناءها الخمسة، فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون، فبكت وأقبلت عليهم تقبلهم، وتبكي بين أيديهم، فلما رأى فرعون هذا المنظر أمر بأكبرهم فجره الجنود، ثم رفعوه إلى الزيت المقلي والغلام يصيح بأمه ويستغيث ويسترحم الجنود ويحاول الفكاك والهرب، فما هي إلا لحظات حتى غيّب ذلك الصغير بالزيت، والأم تبكي وتنظر إليه وأخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة، حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت، نظر إليها فرعون ثم أمرها بالكفر بالله، فأبت عليه ذلك، وأمر بولدها الثاني، فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث.. فما هي إلا لحظات حتى ألقي في ذلك الزيت، فطفحت عظامه بيضاء، واختلطت بعظام أخيه، والأم ثابتة على دينها، موقنة بلقاء ربها، ثم أمر فرعون بالولد الثالث وفعل به كما فعل بأخويه، عند ذلك صاح فرعون بالجنود، وأمر بالطفل الرابع أن يلقى بالزيت، وما هي إلا لحظات.. حتى غرق الصغير بالزيت المغلي وغاب الجسد وانقطع الصوت، وشمت أمه رائحة لحمه وعلت عظامه صغيرة بيضاء فوق الزيت يتقلب بها، فالتفتوا إليها ثم تدافع الجنود عليها وانتزعوا الطفل الخامس الرضيع من يديها، وكان قد التقم ثديها ثم انتزع منها، صرخ الصغير وبكت المسكينة فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها.. أنطق الله تعالى الصبي في مهده وقال لــــــــــــها:
((يا أماه اصبري فإنك على الحق))
ثم ألقي في الزيت وانقطع صوته عنها وغيّب في القدر مع أخوته.. ذهب الأولاد الخمسة.. وها هي عظامهم، كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين العذاب بكلمة كفر تسمعها فرعون، لكنها علمت أن ما عند الله خير وأبقى.. ثم لم يبق إلا هي.. أقبل عليها الجنود، ثم دفعوها إلى القدر.
هذه القصة تختصر لنا فضل الإيمان بالله وأن من ثمرات الإيمان ثبات القلوب، فمن أعظم المصائب تقلب القلوب عن طاعة الله: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [سورة إبراهيم آية: 27]، فأهل الإيمان أهل ثبات ويقين لا تضرهم الفتن مهما عظمت، ولا تقلبهم المحن مهما اشتدت؛ لأنهم تمسكوا بحبل الله المتين.
ألزم يديك بحبل الله معتصما
فإنه الركن إن خانتك أركان