تنتشر في أوساط عالمنا العربي كلمات لها مدلولات وتعابير أكبر مما نتصور ، فعلى سبيل المثال ( أنا ) هذه الكلمة التي تدل على الذات ، والتي تتكون من ثلاثة أحرف في تركيبها لكن تحدَّث عنها الفلاسفة بشكل واسع .
سأتحدث في موضوع بعيد قليلاً عما أسرفوا فيه ، فلن يكون كلامي عن أساسها ومدلولاتها بأسلوب فلسفيٍ بحت ، لكن سأنطلق من وجهة نظري الشخصية في مدلولات الأحرف الثلاث لــ ( أنــا ) .
نتفق تقريباً عن استخدام البعض لهذه الكلمة بشكل كبير ، والآخر بتوازن ، وهناك من لا يستخدمها البتة ، ولكل هؤلاء أسباباً منها كان لهم تحديد نطقها واستخدامها .
فالمفرط فيها .. يبحث عن السيطرة وفرض ذاته ، ويحاول أن يكون له من حوله رقماً ، صراعاته مع نفسه كثيرة ، وفي نفس الوقت مع غيره عديدة ، ومثل هؤلاء منبوذين من مجتمعهم أو عليهم منهم تصورات سلبية بشكل ليس بالقليل ، ناهيك عن درجة الغرور والكبر الذي يكاد لا ينازعه منه إلا مثله ، فـعنده الــ(أنا) الأفضل و (أنا) الأميز و(أنا) الكل ، وفي الحقيقة (هو) الكبر (هو) الاستعلاء (هو)الأنانية ، فأصبح هو كل شيء وكل شيء هو .
وأما من لا يستخدمها البتة .. فهذا غالباً فاقد لكثيرٍ من أيدلوجية الشخصية المتكاملة ، بمعنى آخر هو ضعيف الشخصية ، فلا يستطيع أن يوفِّقَ بين الآخر وذاته ، فقد تكون هذه العلة منذ طفولته لسوء تربيته وقلة تعزيز كمال الثقة في شخصيته ، فكان ذلك عبءً عليه في كبره ، فأصبحت ( أنا ) كلمة ذات قيمة أكبر منه وكلمة يعجز عن نطقها إلا في مواضع الضعف .
والمتوازن في ( أنا ) هو ذاك الفطن الأريب الذي أعطى نفسه ما تستحق واحترم ذاته ، مع مراعاة حق من حوله ، واثق مميز منصف ، يعلم من هو ومن غيره ، يعلم متى تكون الـ ( أنا ) المثالية ، ومتى يكون ( هو ) أو ( هم ) ، يضع النقاط على الحروف ، منهاجه العدل والإنصاف ، لا التلسط والسيطرة والإجحاف .
هذه ثلاثة نماذج .. وأخيرهم من نجا من الداء ، وتجرع الدواء ، وغيرهم إما سقط بكبرياء أو أفولٍ ببقاء ، فـ( الأنا ) هي من جعلت إبليس عدواً وهي التي جعلته ملعوناً ، فاستكبر وطغى وتجبر فقال: { أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ، كما أننا لا نريد من وجوده مثل عدمه ، مهزوم ذليل واهٍ ، تابعٍ لغيره لا يعرف نفسه إلا قليل .
( أنا ) المثالية هي التي تقودك للثقة والكرامة إن أتت في مكانها ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) قالها عليه الصلاة والسلام في أرض جهاد ، وأمام أهل الكفر والعناد ، هي مثالية عندما تُستخدم في محلها { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قيلت عند قوة العلم وعزيمة النفس وعزتها ، هي مثالية عندما ينعم صاحبها بالثقة والفخر مع عظيم الاعتزاز بالنفس بغير كبر ولاخيلاء ( أنا الذي سمتني أمي حيدره ضرغام آجام وليث قسورة ) كلمات شمخ بها علياً ـ رضي الله عنه ـ أيما شموخ .
أما ( أنا ) الأخيرة ليست كغيرها .. فعندما يعلم ذاك العبد الفقير إلى الله ربه ومولاه ، ينطق بها منكسراً خاشعاً فيقول (اللهم أنت ربي وأنا عبدك..) فتلتمس من الــ( أنا ) هنا معنىً آخر ولذة ليس لها مثيل وهي من أزكى وأجمل صنوف ( الأنـــا ) .
الحديث قد يطول لكن ما يظهر لنا أن ( أنا ) " طيبةٌ خبيثة .. جلية غامضة .. مليحة قبيحة " ، أطيبها أنا العبد الفقير وأخبثها أنا الأخيَــر والكبير ، فإن كانت في موضعها قلها وإلا فكف عنها ..
( أنا ) أحبكم كثيراً ...
عبد الله بن أحمد بيه
للتواصل مع الكاتب /
E-mail :
abo.saud12@hotmail.com
twitter : @abojood0300