• ×

05:37 مساءً , السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024

مقتطفات من خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بث - مرشود الرحيلي : 

(فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ و سورة العصر. توجيهات وعِبر)

أستهل فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ امام وخطيب المسجد النبوي الشريف حفظه الله في خطبته ليوم الجمعة 29 رجب 1437 بعنوان سورة العصر توجيهات وعِبر والتي تحدَّث فيها عن سورة العصر وما حوَته من توجيهاتٍ عظيمةٍ، ونصائِح مهمَّة لكل مُسلم، ومنهجٍ ثابتٍ يجبُ على المُسلمين سُلوكَه، مُبيِّنًا ما يجبُ على كل مسلمٍ حاكمًا كان أو محكومًا تجاهَ قضايا أمَّته للنهوضِ بها من كبوَتها، وللوقوفِ أمام أعدائِها وما يحيكُونَه من مُؤامراتٍ للإسلام والمُسلمين.



الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعلَ العاقبةَ للمُتقين، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه إلى يوم الدين.

أما بعد .. فيا أيها المسلمون:

أُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله - جل وعلا وامتِثال طاعته؛ فذلك سبيلُ السعادة والفلاح والفوز، يقولُ الله جل وعلا وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ

إن الأمةَ الإسلاميَّةَ تُواجِهُها تحدِّيات مُتنوِّعة، تُعانِي مصائِب شتَّى، تُقاسِي مِحَنًا عُظمَى. وإن دينَ الإسلام الذي هو عُمدةُ عزِّنا، ومركزُ فلاحِنا، وأساسُ صلاحِنا، وأصلُ سعادتنا في آخرتنا ودُنيانا إن هذا الدينَ رسمَ لنا قواعدَ عظيمةً تُنظِّمُ حياتَنا، وتُصلِحُ أحوالَنا، وتحفظُ مُجتمعاتنا، وتُوحِّدُ صفَّنا وتُؤلِّفُ بيننا، وتنصُرُنا على أعدائِنا.

أساسُ هذه القواعِد: مثلُ قولِ الله جل وعلا وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

سورةٌ عظيمةٌ من كتابِ الله جل وعلا -، متى عمِلَت بها الأمةُ هدَت ورشدَت، وفازَت وأفلحَت. سُورةٌ تضمَّنَت أصولَ النجاة وقواعِد السلام دُنيًا وأُخرى.

حتى قال الإمام الشافعيُّ وهو يتكلَّمُ عن قرنٍ من قُرون العزِّ والسُّؤدَد لو تدبَّر الناسُ هذه السورةَ لكفَتْهم

سورةٌ كريمةٌ أوضحَت المنهجَ الصحيحَ الذي يجبُ أن يسيرَ على ضوئِه المُجتمعُ المُسلم، بمُختلَف مُستوياته وشتَّى مسؤوليَّاته، فرسمَت للمُسلمين طريقَ النجاة، ومسالِك الصلاح، وأسبابَ السعادة والفلاح.

إنه المنهجُ الذي يستلزِمُ تحقيقَ التعبُّد لله الأحَد، والاستِقامة على شرعِه والسيرَ وفقَ مرضاته، ومُجانبَة ما يُوجِبُ غضبَه وسخَطَه وعذابَه.

إنه المنهجُ الذي يُلزِمُ المُجتمعَ المُسلمَ التواصِيَ بالحق والبرِّ والتقوَى، يُلزِمُهم التعاونَ على نشر العدل والخير والصلاح، وإشاعة الفضائل المُثلَى والقِيَم العُليا في حياتهم.

وبمُنطلَق هذه الهداياتِ العظيمة، فإن على المُسلمين جميعًا أن يتواصَوا بالخير والهُدى، وأن يتعاوَنوا على البرِّ والتقوَى في مصالِح الدين والدنيا؛ استِجابةً لقولِه - جل وعلا -: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى

إن على المُسلمين أن يستلهِموا رُشدَهم وصلاحَهم في مُجتمعاتهم، بالعمل بوصيَّة رسولِ الله صل الله عليه وسلم الدينُ النصيحةُ» قالَها ثلاثًا. قُلنا: لمن يا رسولَ الله! قال: لله ولرسولِه، ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم

فلا خيرَ في أمةٍ لا تتناصَحُ ولا تتحاوَرُ وتتناقَشُ، لما يُصلِحُ أحوالَها ويُرضِي ربَّها، وتسعَدُ به دُنياها وأُخراها.

ولهذا كان بعضُ الصحابة وهم في مدرسةِ محمدٍ صل الله عليه وسلم - إذا التقَى بعضُهم قرأَ بعضُهم على بعضٍ هذه السورةَ، وتعاهَدوا على العمل بها.

قال جريرُ بن عبدالله - رضي الله عنه بايعتُ رسولَ الله صل الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصحِ لكل مُسلم

إنها النصيحةُ الصادقةُ المُخلِصة الهادِفةُ المُتَّزِنة، المُرتبِطة بالحكمة أسلوبًا وعرضًا وزمانًا ومكانًا، المُتمشِّيةُ مع مقاصِد الإسلام في سُلوكِ مسلَك اللِّين والرِّفقِ والرحمةِ والعطفِ.

إنها الصيحةُ البعيدةُ عن العُنفِ القوليِّ والفعليِّ، والصَّلَف في الألفاظِ والأقوال، المُجانِبة لما يُثيرُ فتنةً أو يجلِبُ شرًّا على المُجتمع، وفقَ قواعِد الشريعة وأصولِه وضوابِطِه.

وفي إرشادات هذا المنهَج ما يُوجِبُ على الرعيَّة التلاحُم والتعاوُن مع وليِّ الأمر، فيما يُحقِّقُ خيرَي الدنيا والآخرة، مع بذلِ النصيحة الصادِقةِ، والدعاءِ الخالِصِ، والحرصِ على كل ما يُوحِّدُ الصفَّ ويجمعُ الكلمةَ، ويُؤلِّفُ القلوبَ، ويُوجِبُ المودَّةَ والمحبَّة.

قال صل الله عليه وسلم خِيارُ أئمَّتكم الذين تُحبُّونهم ويُحبُّونكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم - أي: تدعُون لهم

وفي المُقابِل: على الحاكِم أن ينهَجَ منهجَ رسولِ الله صل الله عليه وسلم - فيما يُسدَى إليه من نصيحةٍ وإرشادٍ.

وفي دلالاتِ المنهَج الذي رسمَته هذه السورة: ما يفرِضُ على أبناء المُجتمع - خاصَّةً حملَة الأقلام وأصحاب الإعلام - أن يحفَظوا لعلماء الشريعة مكانتَهم، وأن تُعرفَ لهم سابقتُهم، وأن تُصانَ حقوقُهم، وألا يكونُوا مُستهدَفين من أقلامٍ حاقِدةٍ وألسِنةٍ مُغرِضةٍ، تهدِفُ هدمَ الدين وزعزعةَ الثوابِت. فمن مقاصِد تصويبِ السهام المسمُومة لعُلماء الإسلام: النَّيلُ من هذا الدين وثوابِته وأُسُسه.

وفي سِياقِ منهَج التواصِي بالحقِّ ما يُوجِبُ على شبابِ الأمةِ البُعدُ عن الاجتِهادات الخاصَّة، التي تُمهِّدُ للعدوِّ عُدوانَه، وتُعطِيهِ الذَّريعةَ لتحقيقِ مآربِه، مهما كنتَ - أيها الشاب - حسَنَ النوايا، فليكُن العملُ صالحًا خالِصًا صادقًا، مع منهَج القرآن والسنة.

فالأصلُ المُعتبَر: أن كل ما يُزعزِعُ المُجتمعَ، ويُحدِثُ الخلَلَ في الصفِّ هو هديةٌ ثمينةٌ تُقدَّمُ إلى أعداءٍ لا يرقُبُون في المُسلمين إلاًّ ولا ذِمَّة، وسدُّ الذرائِع في الشريعةِ أصلٌ من أصولِها.

إخوة الإسلام:

إن على المُجتمعات الإسلامية - حُكَّامًا ومحكُومين - أن يُحقِّقُوا ما أرادَ الله منهم، من العمل بشريعةِ الإسلام، والتمسُّك بهذا الدين، والتعاوُن على البرِّ والتقوَى، والحرصِ الكاملِ على طاعةِ الله - جل وعلا - وامتِثالِ أوامرِه وأوامرِ رسولِه صل الله عليه وسلم -، في جميعِ الأمور، وشتَّى الأحوال ونواحِي الحياة، وأن يعتزَّ المُسلمون بدينِهم، وأن يتمسَّكُوا بثوابتِهم، وأن يقِفُوا صفًّا واحدًا منيعًا في وجهِ كل عُدوانٍ وبغيٍ من أعداء المُسلمين ينشُدُ هدمَ دينهم وخرابَ دُنياهم.

المُسلمون إخوةٌ في الدين؛ فمن مُميِّزاتهم: حُسنُ النوايا، ومن خصائصِهم: حملُ المُسلمين على الخير، والظنُّ بهم الظنَّ الحسَنَ، لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا

فليس كل من نصحَ فأخطأَ في الأسلوبِ حاقِدًا، كما يُصوِّرُه بعضُ وسائل الإعلام المُغرِضة. ليس كل من نصحَ في مُجتمع الإسلام صادقًا ولكن أخطأ، أن يكون مُغرِضًا، أو أن يكون صاحبَ هوًى.

لكن مُجتمعُ الإسلام مُجتمعٌ راقٍ يجبُ عليه أن يتعاوَنَ على طرحِ القضايا بإنصافٍ وعدلٍ، وتجرُّدٍ وصدقٍ، وإخلاصٍ للوصولِ للحقِّ، بالكلمة الهادِفة، والنصيحة الصادِقة، مع المُحاورَة التي تسيرُ وفقَ تصحيحِ الاستِدلال، وكشفِ الحقائِق، وبيان الخطأ من الصوابِ، والنافعِ من الضارِّ، حسبَ المناهِج العلميَّة الشرعيَّة، والطرق المنطقيَّة السليمة.

أما الترامِي بالألفاظ النابِية، والدخولُ في النوايا، فليس ذلك من منهَج الإسلام، ولم يُقِرَّه رسولُ الله صل الله عليه وسلم -.

على المُسلمين في هذا العصر التي تتلُو عليهم المصائِب، وينظرُون إلى هذه المصائِب نظرةَ عيان، عليهم أن يعُوا أن الأعداءَ يُمارِسُونَ على المُسلمين حربًا مُعلَنةً، وأخرى خفيَّةً تُمارَس بمعايير انتِقائيَّة، وحُجَج داحِضةٍ، ومُصطلحاتٍ بارِقةٍ ظاهرُها الرحمةُ، وباطنُها السُّمُّ الزُّعافُ.

ولا سلاحَ بتَّار يقِفُ أمامَ عاتِيات تلك الحروب إلا التمسُّك بالإسلام، اقرؤوا - أيها المسلمون - قولَ الله - جل وعلا -، وتمعَّنُوه بتدبُّرٍ وتعقُّلٍ، وهو يتكلَّمُ عن أعداءِ الإسلام: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

أفلا يتعقَّلُ المُسلمون ألا يتدبَّرون؟! مع تواتُر وتوارُد هذه العاتِيات على أرضِهم، وعلى دينهم، وعلى دُنياهم

إن على المُسلمين أن يقِفُوا أمام تلك العاتِيات بالتمسُّك بالإسلام، والاعتِزازُ به، والحرصُ على طاعة الملكِ العلاَّم، وتطبيق شريعة الإسلام في كل شيءٍ، والدعوة إلى الإسلام، وعدم الاغتِرار بالدعاوَى الهدَّامة، والمُصطلحات البرَّاقة التي تنالُ الدينَ والدنيا معًا، وتزرعُ الشرَّ العريض، والفسادَ الوَبيلَ في مُجتمعات المُسلمين.

وفَّق الله الجميعَ لما يُحبُّه ويرضى.

أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 0  0  
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:37 مساءً السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024.