• ×

08:49 صباحًا , الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024

جديد المقالات

بواسطة : ادارة التحرير

بقلم شراز القلوي البارحه هبطت ذاكرتي وعادت...


بواسطة : ادارة التحرير

بقلم -بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود : من...


بواسطة : ادارة التحرير

الكاتبة / د. هيله البغدادي إحساس وشعور مفعم...


بواسطة : المحرر

الكاتبة الدكتوره / هيله البغدادي تحرص حكومة...


بواسطة : المحرر

الكاتبة / د.هيله البغدادي الحسد طبيعة بشرية،...


سعود الفيصل .. صوت الأُمَّة الجهور وضميرها الحي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
image

تابعت على مدى شهر كامل، الفيلم الوثائقي الذي بثَّته قناة (MBC 1) الفضائية، الذي كان يعرض في العاشرة مساءً بتوقيت مكة المكرمة يوم الاثنين من كل أسبوع، عن الراحل الكبير فقيد الوطن، فقيد الأُمَّة، فقيد الجميع، أخي العزيز الغالي الأمير سعود الفيصل، طيَّب الله ثراه، رئيس الدبلوماسية السعودية، عميد الدبلوماسيين العرب لأربعة عقود.
تم عرض الجزء الأول من هذا الفيلم الوثائقي يوم الاثنين 3/1/1441ه، الموافق 2/9/2019م؛ فيما تم عرض الجزء الرابع الأخير يوم الاثنين 23/1/1441ه، الموافق 23/9/2019م، الذي صادف حلول الذكرى التاسعة والثمانين ليومنا الوطني الخالد. وحقَّاً لا أدري إن كان هذا بقصد من القناة التي عرضت الفيلم، أم إنها مجرد الصدفة التي هي خير من الوعد كما يقولون؛ فقد ارتبط اسم الراحل الكبير بالوطن الذي تشرَّب معانيه العظيمة السامية حتى النخاع، ونافح عنه بكل ما يملك من قدرة وسعة حيلة طيلة حياته التي كانت حافلة بالعمل والإنجاز والإبداع.
استعرض الفيلم كما يدرك كل من تابعه شهادات كوكبة كبيرة ممن عرفوا الفقيد الغالي عن قرب، أو عملوا معه من إخوته وأخواته: الأميران خالد الفيصل وتركي الفيصل، الأميرتان لولوة الفيصل وهيفاء الفيصل، ومن أبنائه الأمير خالد بن سعود الفيصل والأميرة لنا بنت سعود الفيصل وزوجها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ورؤساء حكومات كسلام فياض رئيس وزراء فلسطين السابق، وزملاء في الحقل الدبلوماسي مثل جيمس بيكر وزير خارجية الولايات الأمريكية المتحدة الأسبق، إضافة إلى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الأمارات العربية المتحدة، وجميل الحجيلان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية السابق، إضافة إلى أمينه الحالي عبد اللطيف بن راشد الزياني. وموظفون أمميون كالدكتورة ثريا بنت أحمد عبيد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، بجانب زملاء في وزارة الخارجية مثل السفير أسامة بن أحمد تقلي، الذي يشغل حالياً منصب سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، والأستاذ نزار بن عبيد مدني وزير الدولة بوزارة الخارجية، والسيد نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية السابق، والسيد عمرو موسى الذي عرف الفقيد عن قرب أثناء عمله وزيراً لخارجية مصر ثم لاحقاً أميناً عاماً للجامعة العربية. ووزراء آخرون مثل محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق، وسعدون حمادة وزير البترول الأسبق في العراق، وأصدقاء مثل سعود الشواف وآخرون. بل تحدث عن سعود الفيصل رؤساء دول مثل أمين الجميل رئيس جمهورية لبنان الأسبق.
ومثلما كان حديث هؤلاء مصحوباً بالدموع والحسرة على ألم فراق العزيز الغالي فقيد العالم، والغصة في الحلق، كذلك تابع محدثكم كل حلقات الفيلم، غير أن حزني على رحيل الفقيد الغالي كان مشوباً بالفرح في الوقت نفسه، لما اضطلع عليه كثيرون ممن شاهدوا الفيلم في العالم من هذا الإرث العظيم الذي خلَّفه الفقيد، وهذا الدور المهم الذي كان يضطلع به على مدى أربعة عقود، مدافعاً عن مصلحة بلاده، ومنافحاً عن حقوق العرب والمسلمين، وساعياً حثيثاً لإرساء السلام والاستقرار وبسط الأمن والأمان في العالم.
أجل، كان أخي سعود أُمَّة لوحده، تحمَّل من المشاق ما تعجز عنه العصبة من أُولي القوة في أداء هذا الواجب العظيم تجاه الأُمَّة، إذ قضى معظم سني عمره المبارك محلِّقاً في الجو على متن الطائرة، يجوب العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، شارحاً سياسة بلاده ومبادئها السامية العظيمة التي تمثل جوهر رسالتها، ومحذراً العالم في الوقت نفسه من تداخلات السياسة العالمية وتقاطعاتها.
نعم، تحدث أولئك كلهم عن مجهود جبار بذله الفقيد الغالي، من وضع حدٍّ للحرب الأهلية في لبنان، ودوره المحوري في تحقيق اتفاق الطائف (1410ه/1989م) الذي كنت أحد شهوده، إذ جمع سعود الإخوة اللبنانيين المختلفين في مكان واحد، وكان خلية نحل لوحده، يتنقل طيلة أيام الاجتماعات من نائب إلى آخر، ومن كتلة نيابية إلى أخرى، باذلاً مجهوداً جسدياً وذهنياً هائلاً، تمخَّض أخيراً بتوفيق الله، ثم بجهد سعود عن إقرار اتفاق الطائف الشهير بموافقة جميع الأطراف، فأعاد إلى الدولة اللبنانية حياتها الدستورية الطبيعية. وقد أكد دولة الرئيس أمين الجميل في معرض حديثه عن فقيدنا الغالي حُبَّه للبنان وأهله، وحرصه على أمنه واستقراره، بعيداً عن أي استقطاب سياسي، وهجومه على إسرائيل وأمريكا التي أتهما الراحل بأنها أنجبت وحشاً شرساً، في إشارة لإسرائيل.
كما تحدث أولئك عن دور عميد الدبلوماسيين العرب الرائد في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية (1401ه/1981م)، وكتابة نظامه السياسي، الذي أصبح اليوم علامة فارقة في السياسة العربية، مع ما يعتري مسيرته من مصاعب. كما تحدثوا أيضاً عن دفاعه المستميت عن فلسطين ودوره في مؤتمر جنيف (1404ه/1983م)، إضافة إلى مؤتمر لوزان، والمبادرة العربية لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل (1423ه/2002م)، وتشكيل اللَّجنة العربية الثلاثية المشتركة التي تكونت من السعودية، الجزائر والمغرب لمتابعة تنفيذ المبادرة. إضافة إلى دوره في الحرب العراقية - الإيرانية، ولقائه المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، ثم انحيازه الصريح إلى جانب العراق بعدما تأكد له عدم رغبة الإيرانيين في العيش بسلام مع جيرانهم، وإصرارهم على تصدير ثورتهم المزعومة للعالم كله.
وبالمقابل، تناول المتحدثون دور الراحل الكبير في تحرير الكويت من قبضة صدام، وحديثه في المحافل الدولية باسم الكويت، كما لم يتحدث أحد مثله، ونجاحه في تحييد إسرائيل عن الدخول في الحرب، مع تحرش صدام حسين بها وضربها بالصواريخ، حتى لا تنحرف مهمة التحالف الدولي عن الهدف الأساسي في تحرير الكويت وطرد العراق منها. فلم يهدأ له بال حتى صدور القرار (660) عن الأمم المتحدة في الثاني من أغسطس عام 1990م، وشن أولى غارات (عاصفة الصحراء).
وقد جعل هذا الانحراف الدبلوماسي الاستثنائي الذي لا يجيده غير سعود الفيصل، صدام حسين يقول إن الرجل الوحيد الذي يخشاه هو سعود الفيصل، معلِّلاً ذلك بمقولته الشهيرة عنه: (عندما كان سعود معي، حشد العالم إلى صفي، وعندما اختلف معي، حشد العالم ضدِّي).. فأي عقل هذا الذي يستطيع حشد العالم إلى جهة معينة، ثم ما يلبث أن يحشد العالم ضد الجهة نفسها.. لله درك يا سعود، ما عليك زود، ليتك تعود.
وبالمثل، تحدث الوزير خالد بن أحمد آل خليفة عن منافحة عميد الدبلوماسية العربية عن البحرين، على خلفية أحداث ما عرف بـ (الربيع العربي)، الذي أصفه دائماً بـ (الخريف العربي)، أو قل إن شئت (الجحيم العربي)، بسبب ناره التي ما تزال تستعر في الدول التي ظهر فيها. كانت عيون الوزير البحريني غارقة في الدموع، وكانت العبرة تخنق صوته وهو يتحدث عن جهود سعود الأوطان وصدقه وإخلاصه في المنافحة عن قضايا الأُمَّة العادلة، قائلاً بالحرف الواحد بكل صدق وتواضع: (كان الأمير سعود في تلك الفترة هو وزير خارجية البحرين)، مؤكداً إنهم سمُّوا شارعاً مهماً في المنامة باسم سعود عرفاناً وامتناناً لدوره الرائد في الوقوف إلى جانب الأشقاء هناك، مستدركاً بلباقته المعهودة إن لسعود الأوطان اليوم شريان في قلب كل بحريني وبحرينية. كما تحدثوا عن دوره في أحداث (الربيع العربي) عموماً من تونس، مصر، سوريا، ليبيا إلى اليمن.
كما تحدث الضيوف الكرام قبل ذلك عن دور سعود الفيصل في عودة مصر إلى حضنها العربي، إثر ما حدث من شرخ في جسد الأُمَّة العربية نتيجة زيارة السادات الشهيرة إلى إسرائيل (1400ه/1979م)، في سابقة لم تكن في حسبان أحد، فاجأت الجميع، حتى المصريين أنفسهم. إضافة إلى دوره المشهود إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، إذ كان أول مسؤول سعودي يزور أمريكا ويلتقي الرئيس بوش الابن. بجانب دوره في ضرورة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق و ... و ... وعن أشياء أخرى كثيرة يصعب حصرها في مقال سريع كهذا، إن لم يكن يستحيل.
ومن ناحية ثانية، تحدث أولئك الضيوف الكرام عن الجانب الآخر من سعود الإنسان، بعدما اتفقوا على اقتفائه أثر والده الفيصل البطل العروبي الإسلامي المهيب، في ارتباطه بهم الأُمَّة وعروبيته حتى النخاع، فوصفوه بـ (الشخصية العالمية بامتياز)؛ إذ تحدثوا عن ذكائه اللَّماح، وعن سرعة بديهته، ودماثة خلقه، وأدبه الجم، وتواضعه وسعة صدره، وصدقه وإخلاصه، وكرمه وحكمته وحنكته، وشهامته ومهابته، وثباته في المواقف، وحُبِّه لعائلته وكبريائه وابتسامته الساحرة، وتمتعه بروح الدعابة، وفكره المتقدم، وقراءته الاستشرافية للأحداث التي لم تخذله فيها حاسته السادسة أبداً، لتوقعه سقوط شاه إيران وعودة الخميني.
كما تحدثوا عن رفقه بالحيوان، وإلمامه بأسرار الصحراء وعشقه لها، ولهذا لا عجب في اضطلاعه بدور عراب حماية الحياة الفطرية لحرصه الشديد على المحافظة عليها وإثرائها من خلال المشاركة الفعلية في العمل.
ولهذا وغيره كثير، قال عنه أخي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود: إنه الرجل الـ "360" درجة. وقال عنه الوزير عبد الله بن زايد آل نهيان: إنه رجل بألف رجل، فقدت الأُمَّة برحيله ذاكرة إسلامية عربية محترمة. وقال عنه الوزير جيمس بيكر: لو لا الأمير سعود، لا أعرف إلى أي مدى كانت ستصل العلاقات بيننا.. اعتقد أن أمريكا كانت محظوظة بوجود الأمير سعود على رأس الدبلوماسية السعودية. وقال عنه سلام فياض: كان سعود يرى أن فلسطين هي جوهر الصراع والأزمات في المنطقة، ولم يكن يرى سلاماً في الشرق الأوسط من دون حل قضية فلسطين. ولهذا كان يهدد مجلس الأمن بإدارة العرب ظهورهم له والنظر في خيارات أخرى، ما لم يناصر قضايا العرب العادلة في صراعهم مع إسرائيل.
وقبل أن أختم بعطر الكلام مما جاء على لسان أخي دايم السيف في تأبين فقيد الجميع، أورد في ما يلي بعض أهم ما جاء في الفيلم الوثائقي المعني من مقولات سعود الأدبية البليغة الرفيعة اللغة، العميقة المعنى، كعادته دائماً:
• نحن قوم لا ننكث بالوعد، نرفض التهديد، كما أننا لا نرتضي الوعيد.
• لسنا دعاة حرب، لكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها.
• التعامل مع العرب يجب أن يكون من خلال الحكومات، وليس من خلال جماعات وأحزاب كحزب الله.
• اليمن السعيد يئن اليوم من الآلام.
• الوضع يتأرجح بين طبول الحرب وأجراس السلام.
• أخاطبكم اليوم إثر عملية جراحية، كانت حالتي فيها أشبه بحال أُمَّتنا العربية.
ومسك الختام حديث أخي دايم السيف عن الراحل الكبير عميد الدبلوماسية العربية:
كان شاباً وسيماً، ورجلاً قديراً، وشيخاً حكيماً.. واسع المعرفة، كبير الموهبة، رفيع المنزلة.. هدوؤه مهاب، وصمته خطاب، ولحظه شهاب.. إذا تحدث أسكت، وإذا فعل أنجز، وإذا انتصر تواضع.. شهدت له المنابر والمؤتمرات، وأكبره الساسة والقيادات.. لم أرَ أصبر منه إلا والده، رحمهما الله.
وبعد:
إن رأيت مقدار حزننا على فراقك يا سعود، مع تسليمنا التام بقضاء الله وقدره، لبذلت قصارى جهدك في حياتك لتنفيذ وصية والدك الفيصل البطل الحكيم: لا تعلِّق أحداً بك إذا كنت تنوي الرحيل عنه.
فرحمك الله أيها الأخ العزيز الغالي .. لقد تعلقنا بك كلنا، لما عهدناه في شخصك العزيز الغالي من كريم الخصال وعظيم السجايا؛ وجزاك عنَّا وعن الأمتين العربية والإسلامية وعمَّا أسديت للبشرية خير الجزاء، وجعل مثواك الجنة، وألهمنا الصبر والسلوان على رحيلك الذي ترك فراغاً في كل بيت سعودي، لن يشغله غيرك. آملاً أن تجد قبيلة الدبلوماسية السعودية والعربية والإسلامية في سيرتك خير معين لها في الدفاع عن قضايا الأُمَّة وتحقيق أهدافها في الأمن والاستقرار والعيش الكريم.


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 08:49 صباحًا الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024.