كيف أشرع في كتابةِ هذا الألم بأناملٍ خمس ، وأيُّ نوع من الأوراقِ سيرخي لي سمعه ويفسح لحزني سطورًا من أعماقه ؟
منذ اللحظة الأولى التي وقفتُ فيها أمام حقيقتي وأنا أبحث عن شيءٍ يشبهني ، عن ملامح تألفُني ، وجودي يُربك الأماكن ، وهذا العالم يلفِظُني !
تركتني أمي لبردِ الشوارع والأرصفة ، وحين صدّعَ نحيبي نوافذَ المباني وطرقَ أبوابها ضاقت الأرض بي ففُزت بلقبِ اللقيطة رقم مئة وخمسة . لو كان لي اختيار رقم أكثر تميزًا لكنتُ اخترتُ رقم مئة وإحدى عشر ، أو كان لي اختيار أمي وأبي لكنتُ اخترتُ أشخاصًا بضميرٍ حيّ يعيشون بهِ ويموتون دونه ، ينهلون من الإنسانية فيتذرعون بها ويكافحون من أجلها . لكنه القدر!
القدر الذي جعلتهُ شمّاعةً لذنبِ أمي وخطيئتها ، أمي التي جعلتني متنقلة بين أذرع أمهات كفُّوا عن احتضاني بتهمة بلوغي سِن العاشرة ، كان احتضانها أمنيتي العالقة بين السماء والأرض ورائحتها العطر الذي ضحيت بطفولتي وأنا أَحلُمُ به .
القدر الذي ألبسته خيبتي وضعفي وهواني على أبي ، وكم مرةً سألتُ فيها الطرقات إن كانت تعرِفه وأنا على يقينٍ أنه لم يُكلِف نفسهُ عناء التفكير بي ، لم يشملني عموم "كل فتاة بأبيها معجبة" سلبتني هذا الحق يا أبي أردتُ أن أحظى بفرصة الإعجاب بك صدّقني . قسوتكم هذه بَنَت حواجز بيني وبين الحياة ، كنت أعيشها في انتظار لحظة يقظتي من كابوسٍ جاثم .
استيقظتُ عندما كبُرت ..
استيقظتُ أثرَ سقوطي في فخٍ نصبهُ العُرف والمجتمع وصارعتُ نفسي حتى فلِتُّ منه ، لكني ما زلت أتعثر في طريقي بمعاييرٍ فرضوها على أبناء جيلي والوسط الذي يحيط بي فآمنوا بها حتى غزت قلوبهم وتأصلت في أذهانهم ، بناءً عليها نشِئوا على تمحيصِ بعض فهُنا الإنسان بلا نسب .. إنسان بلا قيمة !
لم أتعايش مع كوني بلا قيمة ، فكلما استنقص أحدهم من قدرِي يكون في الحقيقة قد استنقص من قيمتِه في نظري لأنه يرى ظواهر الأشياء ولا يعترف بالجوهر الثمين المكنون بداخلها ، سطحيّ لدرجة أنه لا يرى في سماءِ الليل سوى سوادها .
كيف ينال الإنسان شرفه من نسبِه وكيف يكون دونه بلا شرف ؟
ثم إني لستُ سيئة لمجرد أنني لا أعرف والِـدِيّ ولا أملك نسبًا حقيقياً يزيح لي مكانًا مزيفًا بينهم , ولا يعنيني عدم انتمائي لقبيلة من قبائلهم شيئًا , لقد أعطاني الله عقلًا يستوعب جُلَّ تفاهتهم كما أنني أعرفُ جيدًا أن ما يراني عليه الآخرون ليس من المفترض أن يكون حقيقيتي ، ومن هذا المنطلق عاهدتُ نفسي أن أكون من الشواذ لقواعدهم التي وضعوها بمحض يقينهم بعدم صلاحنا وشدة عجزنا ، فما عادت تبعثرني صفعات حناجرهم إذا ارتفعت أصواتهم ساخرة من قَدَري سأساهم في إنقاذهم من غرقِهم هذا ولن أسمح لألم الطفولة أن يكبر معي ، لقد استمد قلبي قوّته من جدران الغرفِ المهجورة التي لا تنتمي إلا لوحشتها .
كتبتُ باسمها واسم من يحملون أرقامًا غير الرقم مئة وخمسة ، رتبتُ الكلمات لأُجسد القليل من معاناتهم وصرختُ في وجهِ الحياةِ وأنا أفعل ، وقفتُ أتأمل قيودًا كبّلت أحلامهم ، أردتُ أن أحطمها ولكن ..!
في سجدةٍ طويلة أُحدث الله : انصِفهم من تصنيفاتنا ، كن عونًا لهم ، علِمّهم أن يكبروا أمام هذا الإقصاء ، اجعَلهم يقهرون الضعف صبرًا يا الله .
متميزه من عرفتها !
قريتها مره ومرتين و ثلاثه*
وبكل مره اقرأها كانها اول مره
حبيت كل حرف فيها ..*
بطله بطله بطله فخوره فيك :'(