تفاجأت كثيراً بخبر اعتزال الشاعر العملاق رشيد الزلامي بعد أن قضى خمسين عاماً في ساحة شعر المحاورة ( القلطة ) , أمتعنا من خلالها بأجمل المحاورات الشعرية الحماسية والفكاهية , أحياها مع نخبة من شعراء جيله من الرموز السابقين وجيل الشباب في الوقت الحاضر . فكأن نعم الشاعر المخضرم والمحبوب .
ومما قال الزلامي في تصريح اعتزاله لصحيفة سبق ( " شعر المحاورة في الوقت يعاني تطفل الكثيرين من الباحثين عن الأضواء والمادة بغض النظر عن جودة شعرهم " ) , بهذه الكلمات الصريحة جدا ً برر الزلامي سبب اعتزاله ! , ولا غرابة في ذلك فالصراحة والوضوح صفة من الصفات التي لازمة شاعرنا القدير منذ بداياته الشعرية ووجوده في الكويت إلى أن اعتزل . ولكن يا ترى هل هذا السبب الوحيد في اعتزال الزلامي ! ؟ . لا أظن ذلك ؛ فرغبة الزلامي في إتاحة الفرصة للشباب المستجدين على الساحة أظنها هي السبب الحقيقي وراء ذلك . ولكن لعل الزلامي أراد أن يوصل مجموعة من الرسائل في آن واحد ولكن بأسلوب (دفن المعنى) الذي يجيده وبمهارة ! , ويترك التحليل للجمهور .
ومن خلال متابعتي المتواضعة للوسط الشعري بشكل عام ولفن المحاورة (القلطة) بشكل خاص , رأيت أن هناك صفات يتميز بها شاعرنا أبا جميل عن غيره ولعله يوافقني في هذه الصفات الكثير من المتابعين للساحة الشعرية سواء من جمهور الزلامي أو غيرهم . إن أبرز تلك الصفات هي بساطة المفردة مع احتفاظها بعمقها الاسقاطي إضافة إلى روح الدعابة في أصعب المواقف الشعرية , وهذا مما يدل على مدى المخزون الشعري الكبير الذي يرتكي عليه شاعرنا القدير .
كما أن لشعر النظم مذاق آخر مع ( أبو جميل ) , مذاق قلما تجده في قصائد الشعراء الآخرين , ومن جميل ما قال شاعرنا ( الشايب في الشيبان ) :
فالـتجـربة بـرهـان ما فيه تكذيب = وليا جهلت انشد من القوم شايب
ولا أقول يوجد شايب يعلم الغيب = الـغـيـب يـعلـم به مـديـر الـهـبايب
لا شك يوجد شايب له تـجـاريب = ومن الدهر شاف الفكر والعجايب
شرّفت ثم اعتزلت أبا جميل , فشكراً لك على ما قدمت من حكمة و إمتاع ودروس استفاد منها الكثير من الشعراء
لمحة : إن أردت أن تكون ذا تأثير فأصدق مع نفسك أولاً ! .