ذلك المتمثل في الوعاء البشري بهيئته الحاضنة لمجمل ما لم يعرف بعد أو ما لم نطلع إليه بسبب قصور في الطلب غالبا و بسبب قصورنا عن فهمه أحياناً أخرى ..
فما الروح سوى شي يكاد يكون مصطلحاً شدة ما لا نعلمه عنها وما الفكر سوى بضع كلمات في مجلّد مليء بالأسرار , وما النفس سوى ذلك الذي ليس لنا سوى أن نصنفه و نحذره إن كان على سبيل المراقبة و المجاهدة لتصل بنا و نصل بها بحول ربي إلى أماكن تنزيهية عن الشر و الميولات الغرائزية المستودعة فيها وحتى لو أننا أتينا إلى ذلك الوعاء الجسدي ...البشري سنجد أنفسنا بين متاهات إعجاز لا تنتهي و مداخل فضول لا نلبث أن نغلقها لتنفتح في أفكارنا و أعيننا أبوابا أكثر بكثير ..
ومن هنا كان لا بدّ لنا من النظر بشكل مجرد إلى أنفسنا تبيانا للهوية واستحضارا لمشكِّلات تلك الهوية والأمور التي من الممكن أن تؤثر فيها لنجد بأننا بدلا من أن نعنى بما هو موجود فينا أصلا من روائع الإعجاز وخارقات التنظيم وجدنا أنفسنا للأسف مجرد لوحات يتمّ تشكيلها من خلال ذائقة من يراها لونا و تعبيرا وحتى مسلكا و ميولا في الخطوط العريضة لما نعرّف به أنفسنا و أمام جمهرة الحاضرين زمانا و مكانا ..
و عند تفكير بسيط لما حولنا و ما نحن عليه نجدنا دائرين بحلقات لا تتعدى الشهوات و الغرائز و المظاهر لنجد بأن مجتمعاتنا انخرطت بالمأكول والملبوس والمركوب والمنكوح عناية بالقالب البشري دونما إعمال أو حتى اهتمام بما يحويه ذلك المستودع من أسرار وأمور اشد منه روعة وبهاء وإعجازا ..
وسنجد للأسف أن المتحكم الحقيقي برغباتنا و مآربنا ليس سوى دعايات تسويقية لما يريده الغير و أننا حتى من خلال تصرفاتنا الحياتية مسيطر علينا بغزو فكريّ و حضاريّ مسروق من عندنا أصلا ليعود إلينا بعد عهد من الاستعمار الفكري - الذي نأى بنا عن متابعة التطور - على شكل تسونامي معلومات و مظاهر خدّاعة لا نملك حيالها سوى محاولة السباحة أو العجز لنموت غرقا في انجازاتها و انصهارا في دوامات ما وصلت إليه ..
و ها هنا قد يأتي احد المتسائلين عن أني إلى ماذا أصبو من خلال هذه الإلماحة والى ماذا أرنو .. ليكون الجواب المطلق كالتالي :لا بدّ لنا من الخروج من وقع تسونامي المعلومات و زخرفة الحضارات و أن نحاول انتقائية ما يناسبا نحن و جعله أولوية عمّا يناسب الأمم من حولنا من حيث المظهر و أن نتذكر أننا انسانيوا الحقيقة لا مجرد بشر نرتع على وجه البسيطة للأكل و الشراب و الاستمتاع فحسب ..و حسبنا قول رائع قاله الأولون : نحن نأكل كي نحيا لا نحيا كي نأكل .. و بقي أن أستثني من منطلق الأمانة أناسا من بني جلدتنا لا ينطبق عليهم ذلك القول فأقول : إلا من رحم ربي .