كنت قد كتبت مقال سابقاً بعنوان ( قبل أن تدخل المكتب يا وزير الصحة )، و تتطرقت في ذاك المقال إلى ستة نقاط محورية لتطوير وزارة الصحة، و القضاء على أغلب معضلاتها، و هنا في هذه السلسلة المكونة من ستة مقالات أتطرق لكل نقطة على حدا، ولقد كانت النقطة الأولى تركز على المناصب القيادية بالوزارة، و هي نقطة لا يمكن اهمالها، فالقائد أساس سير العمل، و هو القدوة للبقية في عملهم، و هو المحرك الأقوى لهم، فمتى ما اخترت القائد المناسب، فقد حللت أكثر من نصف الخلل في الإدارة.
أولاً لو تفكرنا قليلا ماذا نحتاج في القائد؟!! هل نحن بحاجة لطبيب أو لحاملي الدكتوراه في التخصصات الدقيقة؟! بالطبع لسنا كذلك، فكم من قائد استطاع أن يصل بمن معه للنجاح دون أن يحمل مؤهل علمي عالي، و لكنه كان يحمل أمانة و عزم و حكمة عالية، كان يحمل معه المرونة في التعامل، و التفريق بين الحزم في العمل و بين البيروقراطية المرهقة، المسئول لابد أن يعرف الفرق بين القائد و الرئيس، فلسنا بحاجة لمزيد من الرؤساء و المرؤسيين، نحن بحاجة لقائد يستوعب الجميع و يحبهم و يحبونه، فالحب يقود الانسان للابداع و العمل، و الولاء للوزارة سيأتي من حب الموظفين لقائديهم، فالمسئول لا يستلزم مؤهلاً علمياً عالياً أو تخصصاًطبياً، و الأحرى بمن صرفت عليه الدولة المبالغ ليدرس الطب بأن يمارس مهنته، فلا زلنا نشكو نقص الأطباء المؤهلين في شتى التخصصات، ومن أفنى عمره ليحصل على شهادة الدكتوراه في مجال معين، فالأولى أن يفيدنا بعلمه في مجاله .
ثانياً كيف نقيم القائد أو المسئول؟!! ولو أردنا أن نصوب السؤال من يقيم المسئول ؟!! و متى يقيم المسئول؟!! لابد أن يشترك في تقييم المسئول عدة جهات منها الأعلى منه منصبا، و من يعمل تحت قيادته، والمستفيدين من الخدمات التي تقدمها إدارة المسئول، و بهذا الشكل نستطيع تقييمه من عدة زوايا، فما يراه كل شخص من موقعه قد يختلف، و التقييم من عدة جهات يكون أكثر مصداقية، و أما بالنسبة لوقت تقييمه، فلابد أن يكون هناك تقييم سنوي كما هو حاصل الآن لجميع الموظفين، بالإضافة إلى تقييم لحظي يتم في حالة وقوع كارثة أو أزمة إدارية في إدارته، و متى ما عرف المسئول بأنه مراقب من جميع الجهات، سيكون أكثر حرصاً على الأداء و العطاء، و يجب أن يلتفت في تقييمه إلى ما له و ما عليه، إلى ما قدم من انجازات، و أيضا إلى اخفاقاته، و بهذا الشكل يكون هذا المسئول قد أخذ تقييماً شاملاً يحدد استمراريته من عدمها.
ثالثاً المسئول قدوة موظفيه، فاحسنوا اختيار القدوة، فهناك بعض الصفات اشتهر بها المدراء سابقا، لدرجة أنها لم تصبح صفة مفاجئة في نظر البعض، منها على سبيل المثال مدير أو مسئول لا يحضر للدوام قبل التاسعة صباحا!! و تريد أن تقنع موظفيه أن يحضروا من السابعة و النصف ؟!! ( إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت ...)، و إذا كان لدينا مسئول لا يقابل المراجعين و لا الموظفين بسهولة، فهل تتوقع من المدراء الأصغر منه أن يفتحوا الأبواب بسهولة للمراجعين؟! و إذا كان المسئول لا يتقن تنظيم وقته للقاء المراجعين، فهل اجتهاده سينعكس على من تحته اداريا فلا نجد المسئولين بمكاتبهم عندما نحتاجهم ؟!! وإذا كان المسئول لا يتمتع باللباقة أثناء مقابلة المراجعين، و يتحدث دون أن يرفع رأسه لينظر في وجه من أمامه، فهل تتوقع أن يتمتع موظفوه باللباقة ؟!! ( فاقد الشيء لا يعطيه ).
معالي وزير الصحة الخطيب، لا يهمنا ارتدائك المشلح من عدمه، و لا يشفينا التأني في غير موضعه، فالمسئولون حولك قد انهكوها ( حاسوها ) ، و أروقتها تشتكي الروتين، و الكفاءات قتلها التعطيل و المحسوبيات، و يكفيكم أن تعملوا استفتاء بسيط في موقع الوزارة للمسؤلين الحاليين، فإن رأيت الناس كلها مالت على شخص بالسلبيات دون غيره، فلست بحاجة لأكثر من هذا سبب في عزله، أو الرفع بعزله إن لم يكن من ضمن صلاحياتكم معالي الوزير، فليس أكبر من المسئول في هذا الوطن إلا شخص واحد و هو المواطن، فكما علمنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الراحل عبدالله بن عبدالعزيز و تبعه خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيزحفظه الله، المواطن هو سلمان بن عبدالعزيز و سلمان بن عبدالعزيز هو المواطن.

محمد السنان - جدة
كاتب مهتم بالتوعية المجتمعية و تطوير الخدمات الصحية
5rbshatsinan@