• ×

02:29 مساءً , الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024

دول مجلس التعاون الخليجي يسجل الإنفاق الحكومي ''الضرائب واستهلاك التبغ''

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
ولاء باجسير - بث سجَّل الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي تنامياً سريعاً منذ بداية ما يعرف بـ"الربيع العربي". ففي ما يخصّ العائدات، تُشكِّل عائدات النفط والغاز نسبةً تفوق 85% من عائدات حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. ولا شكّ في أنّ التعويل بدرجةٍ كبيرةٍ على عائدات النفط والغاز يزيد من تأثّر دول مجلس التعاون الخليجي بتقلبّات أسعار النفط سيّما مع الانخفاض الذي سُجِّل مؤخراً في أسعار النفط والذي أخرج إلى الواجهة المشاغل المتعلّقة بالاستدامة الضريبيّة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتحول الفائض الضريبي إلى عجز بنسبة 113 مليار دولار أمريكي (8% من الناتج المحلّي الإجمالي) في عام 2015 من الفائض العام الماضي بنسبة 76 مليار دولار أمريكي (4.5% من الناتج المحلّي الإجمالي).
الجدير بدول المجلس أن تُعطي الأولويّة للإصلاحات الضريبيّة، بهدف زيادة العائدات وتحقيق استدامة ضريبيّة، وأن تضع سياسات تسمح بتنويع مصادر العائدات الحكوميّة بهدف خفض درجة تأثر الأخيرة بأسعار النفط وأسواقه. ويجب أن تكون سياسات تنويع العائدات موجهةً ليس فقط باتجاه تعبئة العائدات غير النفطيّة على المدى القصير وإنما أيضاً نحو تعزيز استقرار العائدات الضريبيّة. حريّ بالحكومات أن تُدخل إصلاحات لتنويع العائدات الحكوميّة على أن تتمثّل أكثر الخطط فاعليّة باستحداث مصادر أكثر شموليّة للضريبة (الضريبة على القيمة المضافة) ناهيك عن ضرائب غير مباشرة (الضرائب غير المباشرة على منتج محددُ أو ما يُعرف بالضرائب الانتقائيّة) على سلعٍ ومنتجات محددة مثل الغاز والديزيل والكحول والتبغ.
يؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية عن وباء التبغ العالمي 2015 أن 6 ملايين شخص سنويا يموتون بسبب أمراض ذات صلة بالتبغ، وأن العدد سيرتفع إلى 8 ملايين شخص بحلول عام 2030.وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO) ومبادرة التحرر من التبغ (TFI)، فمن المتوقع زيادة سعر علبة السجائر بنسبة 10٪ للحد من الطلب على السجائر بحوالي 4٪ في البلدان ذات الدخل المرتفع وبنحو 5٪ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث أن ذوي الدخل المنخفض أكثر تأثراً بالتغيّرات في الأسعار. هذه الزيادة في الأسعار مترابطة مع التدابير السعرية والضريبية، والمادة 6 من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ تنص على: "التدابير السعرية والضريبية وسيلة فعّالة وهامة للحد من استهلاك التبغ من قبل مختلف الفئات، ولا سيما الشباب ".ومع ذلك، تفرض الاتفاقيّات التجاريّة الدوليّة والثنائيّة قيوداً على دول مجلس التعاون الخليجي وتنهيها عن زيادة الرسوم الخارجيّة المشتركة المفروضة على السجائر وغيرها من منتجات التبغ مما يُقيّد قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة الأسعار بهدف خفض استهلاك التبغ ومعدلات التدخين وبالتالي زيادة العائدات الحكوميّة الناشئة عن ضريبة التبغ.

استهلاك التبغ في الشرق الأوسط
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحدى أكثر مناطق العالم تنامياً في سرعة استهلاك منتجات التبغ لا سيّما منها السجائر. يُسجِّل استهلاك التبغ معدلات مرتفعة في المنطقة حيث يتواجد شريحة سكنيّة شابةً ومتسارعة النمو يشيع فيها التدخين ثقافياً وتنكمش فيها مستويات الوعي بشأن تأثيرها على الصحّة. في عام 2010، شكّلت المنطقة نسبة 7.1% من حصّة السوق من مجموع السجائر حول العالم وهي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث حجم الاستهلاك. يُعدّ استخدام تبغ الغليون في المنطقة رائجاً نتيجة استهلاك الشيشة وتصل نسبته إلى حوالى 45.5% من إجمالي الطلب العالمي. أمّا على صعيد الدول، فتُسجَّل في المملكة العربيّة السعوديّة معدلات الاستهلاك الأكبر للفرد من تبغ الشيشة في حين تُسجِّل مصر وهي أكثر أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معدل الاستهلاك الأكبر للسجائر
الضوابط المفروضة على خيارات السياسة الضريبيّة للتبغ في دول مجلس التعاون الخليجي
تتطلع دول مجلس التعاون الخليجي إلى فرض رسمٍ جمركي على منتجات التبغ بهدف زيادة العائدات وتحقيق غايات صحيّة تقضي بخفض معدلات الاستهلاك والتدخين (عملاً بالخطوط التوجيهيّة لمنظمة الصحّة العالميّة). ولكنّ التزامات هذه الدول الدوليّة تفرض عليها عدداً من القيود التي تثنيها عن تحقيق أهدافها.
دول مجلس التعاون الخليجي هي دول أعضاء في منظمة التجارة العالميّة ويتعيّن عليها أن تمتثل لأحكام المعاهدات المبرمة وأن تتقيد برسم الاستيراد المعروف باسم الرسم "التفضيلي". يُفرض رسم الاستيراد الحالي وقدره 100% في دول مجلس التعاون الخليجي وهو الرسم التفضيلي لكلّ من البحرين والكويت.
مع أنّ دول مجلس التعاون الخليجي قد بدأت معاً وككتلةٍ واحدةٍ عمليّة التوقيع على اتفاقيّات تجارة حرّة إلاّ أنّ البحرين وسلطنة عُمان قد أبرمتا عامي 2004 و2005 تباعاً اتفاقيات ثنائيّة منفصلة مع الولايات المتحدة. وبموجب اتفاقيّات التجارة الحرّة، يتعيّن على الدول أن تُزيل الرسوم المفروضة على السجائر (من بين منتجات أخرى) ضمن إطار زمنيّ مدّته عشر سنوات أي بحلول شهر يناير من العام 2015 و2018 تباعاً. هذا وتتضمن الاتفاقيّات حكماً مبرماً لا يسمح بزيادة الرسوم المطبقة حالياً في خلال هذه الفترة

فرض الضرائب على التبغ في دول مجلس التعاون الخليجي
بموجب النظام الموحّد للجمارك، تبلغ الرسوم الخارجيّة المشتركة نسبة 100% من سعر الكلفة والتأمين والشحن CIF (محددة بحسب القيمة) ويصل رسم الحدّ الأدنى الجمركي المبني على المنتج إلى 100 ريال سعودي لكلّ 1000 سيجارة أيّهما يكون أعلى. يُشكِّل رسم الحدّ الأدنى الجمركي المبني على المنتج مكوِّناً أساسياً لكونه يسمح بمساهمة آمنة في قاعدة الحكومة الضريبيّة. استحدثت المملكة العربيّة السعوديّة في التسعينات رسم الحدّ الأدنى الجمركي المبني على المنتج ولقد تمّ توحيد الأخير بالكامل في ما بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عندما اعتمدت الكويت الحدّ الأدنى البالغ 8 دنانير كويتيّة لكلّ 1000 سيجارة في العام 2002. وفي خلال السنوات اللاحقة، عمد المُصِّنعون إلى زيادة أسعار العديد من الأصناف التجارية متخطين بذلك المستويات التي ينطبق عليها رسم الحدّ الأدنى الجمركي مما أخضع السلع لمكوِّن الضريبة المحددة بحسب القيمة المشمول في الرسم. ولكنّ رسم الحدّ الأدنى الجمركي المبني على المنتج لم يتكيف تلقائياً مع مستويات التضخم ولقد تراجعت قيمته الفعليّة واحتمالات وقوعه.
كانت العائدات الحكوميّة في الأمس مبنيّةً على رسم الحدّ الأدنى الجمركي المبني على المنتج في حين أصبحت اليوم مبنيّةً وبدرجةٍ كبيرةٍ تقبل القياس على الضريبة المحددة بحسب القيمة. وتعني أي زيادةٍ في رسمٍ جمركي مبني على المنتج بأنّه يتعيّن على جميع السجائر أن تُسدد الحدّ الأدنى من الضريبة بصرف النظر عن سعر CIF. فعلى العكس من ذلك، حين ترتفع الرسوم الجمركيّة المحددة بحسب القيمة، يرتفع سعر سجائر الأصناف التجاريّة الوسطى والمميّزة بنسبةٍ تفوق ارتفاعها في وسط الأصناف التجاريّة البخسة والمتدنيّة بما أنّ الضريبة المفروضة هي نسبة إلى سعر CIF. يمنح ذلك المستهلكين حافزاً للانتقال إلى منتجات أقلّ كلفة وجودةً مما من شأنه أن يُخفِّض العائدات الحكوميّة نتيجة نظامٍ ضريبي محدد بحسب القيمة ويقوِّض الأهداف التي تتوخاها الحكومة في مجال الصحّة.

يتمثل الطرح والتوصية السياسيّة بما يلي:
أن تتفق دول مجلس التعاون الخليجي على استحداث ضريبة انتقائيّة محليّة على استهلاك التبغ باعتبارها أداة سياسة لزيادة أسعار التبغ لدواعٍ صحيّة ولكسب الدخل؛
استحداث ضريبة انتقائيّة أسميّة محددة بحسب الكميّة في كلّ من دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل بمبلغ ثابت مقابل كلّ 1000 سيجارة أو وحدة مكافئة من سائر منتجات التبغ. من شأن إصلاح السياسة الماليّة أن يُخفِّض بصورة موازيةٍ الاستهلاك (بما يتماشى مع توجيهات وزارات الصحّة) مما يُساعد على زيادة الأسعار بحيث تُحاكي المستويات الدوليّة وجباية عائدات أفضل (تلبية أهداف وزارات المال) للحكومات؛
تفادياً لأي تشوهات، يجب أن تسري الضريبة الانتقائيّة المحددة بحسب الكميّة على الواردات والإنتاج المحلّي على حدٍ سواء بما في ذلك في المناطق الحرّة (بصرف النظر عن دولة المنشأ)؛
يجب أن يتم توحيد الضريبة الانتقائيّة وأن تُستحدث على وتيرةٍ متزامنةٍ وأن تكون نفسها في جميع الدول الأعضاء للحيلولة دون شرذمة السوق وتفادي الاستفادة من فارق الأسعار والتهرّب الضريبي الناشئ عن لوائح ضريبيّة متراخية بشأن الضريبة الانتقائيّة.
يجب أن تُفرض الضريبة الانتقائيّة عند نسبة متوسطة للكلّ 1000 سيجارة عملاً بالممارسات الدوليّة (مراجعة الرسم 5 أعلاه). ولكن على خلاف الرسوم الجمركيّة الحاليّة، لا وجود لأي قيد على وزراء المال في دول مجلس التعاون الخليجي لجهة فرض ضريبة انتقائيّة أعلى لتحقيق أهداف على صلة بالصحّة أو العائدات؛
ستكون الضريبة الانتقائيّة ضريبةً داخليةً تُسدد لهيئة العائدات الوطنيّة في دولة الاستهلاك النهائي. ويوصى باستخدام علامات رقميّة على منتجات التبغ للإشارة إلى تسديد الضريبة الانتقائيّة حيث يُعزز ذلك أمان سلسلة التوريد ويُساعد على مكافحة الإتجار غير المشروع؛
تُدخل وزارات الماليّة الضريبة الانتقائيّة الجديدة بمقتضى صلاحيّاتها المنقّحة بموجب الإصلاحات القانونيّة والتنظيميّة والتي تلحظ إنشاء إدارة العائدات. وهذا ومن الممكن إناطة إدارة العائدات بالجمارك فتُصبح الأخيرة إدارة الجمارك والضريبة الانتقائيّة؛
من شأن إنشاء إدارة عائدات الضريبة الانتقائيّة أن يُضفي قيمة لجهة تيسير عمليّة إدخال ضرائب أخرى غير الضريبة الانتقائيّة لا سيّما الضرائب على الكحول والوقود والديزيل وغيرها من منتجات النفط؛
يتعين على البحرين وعُمان إزالة التعرفات المفروضة (بما في ذلك على التبغ) على ضوء اتفاقيّة التجارة الحرّة المبرمة مع الولايات المتحدة عامي 2016 و2018. ويتعيّن على سائر دول مجلس التعاون الخليجي تكييف الرسوم والتعريفات المفروضة تفادياً لتحوّل تجارة التبغ نحو البحرين وعُمان.

بواسطة : ولاء باجسير
 0  0  
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:29 مساءً الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024.